رسائل فلسفيه

58
ﺭﺳﺎﺋﻞ ﻓﻠﺴﻔﻴﺔ- ﺍﺑﻦ ﺑﺎﺟﻪ1 ﺭﺳﺎﺋﻞ ﻓﻠﺴﻔﻴﺔ ﺍﺑﻦ ﺑﺎﺟﻪTo PDF: http://www.al http://www.al-mostafa.com

Upload: osama-mostafa

Post on 16-Jan-2017

33 views

Category:

Internet


2 download

TRANSCRIPT

Page 1: رسائل فلسفيه

ابن باجه­رسائل فلسفية 1

رسائل فلسفية

ابن باجه

To PDF: http://www.alhttp://www.al-mostafa.com

Page 2: رسائل فلسفيه

ابن باجه­رسائل فلسفية 2

القسم األول

بسم اهللا الرمحن الرحيم وما التوفيق إال به

و من كالمه

ما بعث به ألبي جعفر يوسف بن حسداي

عليه أمرها فهو يقول حبسب . األندلسي فلم يقع قط يف طريق صناعة اهليئةأما الزرقالة إبراهيم بن حيىيمث إنه بعد ذلك ذهب عليه معىن من . سواحنه ولوائحه فتضطرب أقواله ويكثر كالمه فيما ال معىن له

معانيها هو كاملبدأ فيها، وذلك معىن وسط الكوكب، فإنه يعتقد فيه أنه النور الذي حيوزه مبدأ ما كأنك لت مثالً رأس احلمل والنقطة اليت عليها يلقى الفلك املائل اخلط اخلارج من مركز الفلك اخلارج املركز ق

وهو يكرر هذا املعىن ويردده ويرى أنه من املبادئ األول اليت ال ريب فيها، فهو . إىل مركز الكواكب .لذلك ال يزال يناقض بطليمونس يف أكثر ما ذهب إليه

تقدمه، وإين ال عجب من وقوع ابن اهليثم على وضوحه، فإنك إن آثرت الوقوف وهذا رأي وقع يف منعلى ما حكيته لك فاقرأ مقالته املعروفة بالشكوك على بطليموس يف الفصل الذي يذكر فيه فساد الطريق

وإذا . اليت سلكها بطليموس يف استخراج ما بني املركزين يف كوكب الزهرة وعطارد يتبني لك ما ذكرتهأملت تلك املقالة وضح لك من أمر ابن اهليثم أنه مل يقرأ الصناعة إال من أسهل الطرق، فما عساه مل يلح ت

له لوقته أما اثبت احلكم على إبطاله وأما تركه مغفالً وأنه مل يكن من أهل هذه الصناعة القائمني ا، وأنه .أبعد عنها من الزرقالة بكثري

تركت صناعة املوسيقى، واآلن أكملت النظر فيها، إذ كان تبقى علي وهذه صناعة شغلت ا نفسي منذ .فيها النظر يف جماري العرض وهو من أصعب ما يف هذه الصناعة، وقد أكملته

واملقالة اليت قال الزرقالة فيها ما ذكرته هي مقالته يف إبطال الطريق اليت سلكها بطليموس يف استخراج .البعد األبعد لعطارد

اعة املوسيقى فإين زاولتها حىت بلغت فيها مبلغاً رضيته لنفسي، مث بعد ذلك صناعة اهليئة، فإين وأما صنويف أثناء ذلك حتققت أن كل من يذكر . أكملت النظر فيها الكمال الذي يقتضيه ما وجدته من مبادئها

بيلية، وذلك بعد أكمال يف هذه الصناعة بالكمال مل حيط فيها إال بالتافه اليسري، واتفق ذلك سفر إىل أشويف أثناء ذلك ما . نظري فيها، فإن كل من يدعى هذه الصناعة ففي أشبيلية مستقرة وإليها مصدره

Page 3: رسائل فلسفيه

ابن باجه­رسائل فلسفية 3

توضحت منحى أيب نصر يف ضروب الربهان اليت عددها، فإن ذلك كان بقي علي فقط فاستوضحته منذ .قريب

األمور الظاهرة يف السماع الطبيعي وأنانية قد فمن. مث جتردت للنظر الطبيعي وأنا فيه ال أقدم عليه عمالً: مت، وإمنا قصصته ألنه يتضمن املبادئ وكل ما بعده تبع له وخصصت منه هاتني املسألتني لعظم غنائهما

إحدامها يف السادسة عندما يذكر ماال ينقسم بالسابق من قوله والذي ذهب إليه من رأيت له تفسرياً يف ه إىل النقطة فيما له وضع، وإىل اآلن وما يناسبه يف احلركة فيما ال وضع له ال هذا الكتاب إمنا يذهب في

إن ما ال : وإذا تأملت حمموالت املطالب وجدت بعضها ختتص ا هذه، مثل قوله. ونعم أن هذا حق. غري يتجزأ ال يأتلف منه خط وال من اآلن زمان وأشباا، وبعضها يشترك فيها مع هذه اخلط والسطح مثل

أن املتصل ال ينقسم إىل غري منقسم، وبعضها يعم هذه كلها يعم ما ال ينقسم وبعضها يعم هذه : قولهويقال أن تلك ال تنقسم إما بإطالق أومن جهة ما كاخلط، . كلها ويعم ما ال ينقسم باألضافة إىل متحرك

م الذي أكتب فيه ال ينقسم وهذا الضرب األخري يقال فيه ال ينقسم باإلضافة إىل ذي املكان، فمكان القلكل متغري : وهذا احملمول هو يف مثل قوله. بالقلم الذي أكتب به وأن أنقسم باإلضافة إىل جزء أصغر منه

وتلك إمنا أخذت . وهذا الضرب من غري منقسم هو املقصود يف هذا العلم. فأول ما تغري إليه غري منقسم .املقالة يقفك على معان كثرية الغناء يف هذا العلموانظر إليه أبداً يف هذه . مقدمات ليتبني هذا

فأول ما جيب أن يعلم أنه مل يرد أن . كل متحرك فله حمرك: واملسألة األخرى هي يف السابعة وذلك قولهيبني احملرك األول بإطالق كما يذكره املفسرون الذين رأينا هلم قوالً، ولذلك رأوا أن هذه املقالة فضل

رك أكثرها فلم حيفل ا، بل إمنا أدرك احملرك األول باإلضافة إىل حركة مفروضة، حىت أن تاسطيوس تأحدمها الربيئ من كل حركة مجلة، وهذا املذكور يف : وذلك أن األول يف احملركات يقال على حنوين

.الثامنة، وهو الذي شعر به املفسرون

ك املداد وهو يتحرك يف حني حتريكه، ونسبة والنحو الثاين هو احملرك من حيث هو ساكن، فإن القلم حيريدي إىل القلم تلك النسبة، فستنتهي ضرورة إىل حمرك حيرك حبال فيه ثانية ال بأن حيتاج يف حال حتريكه

وهذا الضرب يوجد يف األجسام، فإن كل جسم حيرك جسماً حركة جسمانية فإمنا حيرك . إىل أن يتحركن غري أن تتحرك كاملغنطيس للحديد فإنه يظن أنه حيرك ال بأن بأن يتحرك، وقد توجد أجسام حترك م

. يتحرك، فاملغنطيس إذن حمرك أول ألنه ال حيتاج يف حني حتريكة إىل حمرك، وإن حلقه حترك فبوجه آخر

فإن توهم فيها أن متغرياً تغري . فأما سائر املتحركات فأمرها بني أن احملرك األول فيها هو احملرك األقرب .غري، فلعل ذلك بعكس احلال يف حركة املكان، ألن احملرك يف أكثر األمر ال يلي آخر متحركبأن يت

Page 4: رسائل فلسفيه

ابن باجه­رسائل فلسفية 4

وهذا إذا تؤمل وضح الغرض الذي أومأت إليه، وإذا متسك ذا النحو من النظر ظهرت به معان كثرية .عظيمة الغناء يف هذا العلم

س بربهان أصالً، واإلسكندر يعترف أنه قول وبعد ذلك فإن كثرياً من الناس زعموا أن ما أتى به أرسطوليحق، غري أنه يسميه منطقياً، واملنطقي عنده أن تكون أجزاء القياس أعين احلدود الوسطى بالعرض وال

وليس األمر يف ذلك القول على ما ظن اإلسكندر، بل احلد األوسط ذايت . يكون أحد قسمي ما بالذات .ني املتقدم باملتأخرلكنه ليس بسبب، فهو إذن ذايت لكنه يب

حد األضداد الفاعلة واملنفعلة اليت هي أقدم . وإذا بلغت ذلك ظهر، وظهر بظهوره أشياء هلا حدودحدودها فإن أرسطو حدها يف الثانية من كتاب الكون والفساد حبدود متأخرة، وهذا عظيم الغناء يف هذا

.العلم

.هذا آخر كالمه فيما رد به على الزرقالة رمحه اهللا

من كالمه في األلحان

رضي اهللا عنه

بسم اهللا الرمحن الرحيم واهللا املوفق يف مجيع األمور اعلم أن النغم التأليفية هي نسب اختالط األفالك وملا راموا تلك احلكاية، وشبهوا تلك النسب الومهية . ودوراا ونغم الطبيعة العاملة بااري الصحيحة

فإذا وقع التشاكل . انية، وجب لكل إنسان أن مييل إىل الطبائع املركبة فيهومحلوها على الطبائع اإلنسوتوافقت الطباع تاقت النفس وفعلت وامتدت روحانيتها وانبسطت وجرى فيها من املادة الروحانية ما

وهلذا كانت الفرس إذا أرادت تدبري لذاا امدت النعم والغناء بأشعار تشارك الغرض. يبعثها على األنسة

وذلك أن ضارب العود إذا . الذي خيوضون فيه، فيطاع هلم الرأي اجلميل ويوافق الصواب مذهبهم اجلميلكان حاذقاً فطناً، وأراد أن حيرك صاحب صفراء ويهيجه، أحل بالضرب على البم، للمناسبة اليت بينهما يف

يج سروره أحل بالضرب على وكذلك إذا أراد أن حيرك صاحب الدم ويه. اخلفة واللطافة يهيج له السروراملثىن للمناسبة اليت بينهما فلذلك يهيج الدموي املزاج، ويبعث له السرور واجلذل ويتحرك له الفرح،

وإذا أراد أن حيرك صاحب البلغم إىل طبعه أحل بالضرب على الزير، فإنه . ووزنه ضعف وزن الزيرووزنه ضعف وزن . وتثري له الغموم والبكاء والنياحةللمناسبة اليت بينهما الكون طيبعتهما يج له األحزان

وكذلك إذا أراد أن حيرك صاحب سوداء ومييل به إىل طبعه أحل بالضرب على املثلث للمناسبة اليت . املثىنبينهما لكون طبيعتهما طبع األرض يف حصامها وغلظ جسمها فيحدث له رعب شديد وجزع ألن

Page 5: رسائل فلسفيه

ابن باجه­رسائل فلسفية 5

وزنه ضعف وزن البم، وأربعة أضعاف وزن املثىن، ومثانية أضعاف و. السوداء أصل للفزع وعنها يتولد .وزن الزير

.وباجلملة فترى كل صاحب طبع يتحرك حينئذ يف مذهبه على قدر طبعه: قال

وينبغي للضارب، إذا أراد أن يويف النغم حقها ويبلغ باألنفاس غاياا، أن يلتفت إىل املخارج : قالجلبهة والرأس، فيجعل بإزاء الصدر البم للمناسبة اليت بينهما والصوت، األربعة، وهي الصدر واحللق وا

.وجيعل بإزاء احللق املثلث، وجيعل بإزاء اجلبهة املثىن، وجيعل بإزاء قحف الرأس الزير

وكلما ارتفع الصوت إىل الرأس نزلت يد الضارب يف األوتار على النظام والترتيب الذي جعلته احلكماء .، فإا جعلت السبابة للبم، والوسطى للمثلث، والبنصر للمثىن، واخلنصر للزيرلألصابع األربعة

وينبغي أن حتذر الضارب أن يركب بعض األوتار بعضها يف ارى فيولد ذلك ضرراً يف األوتار : قال .وفساداً يف أصوهلا مىت مسها املضراب أو حثها الضارب

: قال

ضارب مشت أحواله ونغماته على السنن املستقيم والطريق القومي، فهذه هي األصول اليت إذا راعاها ال .وفاق أبناء جنسه، وكان يومه خرياً من أمسه

ومن كالمه على

إبانة فضل عبد الرحمن بن سيد المهندس

. بسم اهللا الرمحن الرحيم البسائط منها مستوية وتدعى سطوحاً، ومنها غري مستوية وتسمى باسم اجلنس

وكل سطح يلقى بسيط املخروط فإما أن مير . قي لبسيط إما أن يكون بسيطاً أو سطحاًوالبسيط املال .برأسه أو ال مير

وكل . وقد تبني يف األوىل من املخروطات أن كل سطح يلقى بسيط خمروط وال مير برأسه فإنه يقطعهة أو مياسه على خط بسيط مير برأس خمروط فإما أن مياسه أو يقطعه، فإن ماسه فإما أن مياسه على نقط

.مستقيم، فإن ذلك مما بني الربهان أن متاسه ال يكون بإحدى هاتني اجلهتني، ومل يتبني ذلك أبولونيوس

وقد تبني يف األوىل من املخروطات أن الفصلني املشتركني خطان . وكل سطح مير برأس املخروط ويقطعه .بزاوية مها ضلعان من أضالع املخروطمستقيمان، والقطع سطح حيسه حيده خطان مستقيمان حييطان

وإذا كان ذلك، فكل سطح يقطع بسيط خمروط وال مير برأسه فقد ميكن أن مير برأس املخروط سطح وإن كان . فإن كان السطح القاطع موازياً لسطح مياس على نقطه فذلك القاطع ناقص مكان. مواز له

Page 6: رسائل فلسفيه

ابن باجه­رسائل فلسفية 6

.مياس على قطع فذلك مكان قاطعاً فالقاطع زائد

مث تلي مبا يقتضيه التحليل، وضح بأيسر تأمل أن لكل قطع أصناف من خطوط . متسك ذا األصلوإذاالترتيب يكون منها على نسب متباينة، إذا كان بعضها يقطعها بنصفني، وهي األقطار اليت ألفاها من

خر، املهندسني، وبعضها يقطعها على نسب أخر من غري أن يوجد يف إثبات وجود أحدها الصنف اآلوعند ذلك نتصور القطوع بأقدم صفاا باإلضافة إليها، وتترتب سائر اخلواص على رتبها فال يتقدم

بعضها على بعض يف املعرفة حىت يظن لذلك بأن بعضها أقدم يف الوجود من بعض، وتسقط عند ذلك م فائدة وأكثر كثري من تلك األشكال الكثرية الرباهني، ويكون االعتماد يف استنباط أمور أخر أعظ

.تصرفاً

وهذا النحو من النظم هو الذي وقع عليه ابن سيد املهندس فشف به على من شاركه من متقدمي مث إنه مل فرغ من هذا نظر يف البسائط املالقية لكل بسيط، . املهندسني يف املطالب اليت شاركهم فيها

يف سطح واحد، فوضع سطوحاً تكون خمروطاً كان أو غري خمروط، فوجد فصوهلا املشتركة ليست مجلة يف بسيط األجسام املقعرة على نسب معلومة، مث أخذ الفصل املشترك بني السطحني نقطة، وأخرج منها

إن .. خطاً على وضع معلوم إىل ذلك السطح، مث أداره على ذلك الفصل املشترك فرسم طرفه يف السطحمث نظر يف خواصه واستنبط منها أشياء، . نية الثالثةذلك اخلط غري مستقيم وال هو واحد من اخلطوط املنح

غري أنه مل يتسع يف العرض ملمانعة . فكان نظره يف هذه األمور شبيهاً بنظر املتقدمني يف اخلطوط الثالثة .عوائق زمانه والنفراده، وحيتاج نظره إىل تتميم مناسب لتتميم نظر من تقدم

وهو أنه يعمد إىل قطعني من أي : دم من املهندسني ما أصفهومما اختص بالنظر فيه ابن سيد دون من تقأصناف القطوع الثالثة كانا، ويضعهما متقاطعني، مث يفرض نقطتني يف غري سطح القطعني يف ناحية

واحدة منه مث يقيم عليها خمروطني فيصري املخروطان متقاطعني وهلما فصل مشترك، مث يقيم سطحاً يلقى قائمة، مث يعلم على الفصل نقطة، وخيرج منها خطاً على وضع يوجبه التحليل سطح القطعني على زوايا

يلقى السطح القائم، مي يدير ذلك اخلط على وضعه على الفصل املشترك، ويرسم طرفه يف السطح خطاً منحنياً قوته قوة ذينك القطعني، مث يضع أيضاً هذا القطع مع آخر من الثالثة أو آخر يف رتبته ويصنع

وذه . ك فيكون اخلط املنحين يقوي قوة القطعني، فيمر األمر إىل غري اية يف الطول والعرضكذلالطريق استخرج كم خط نشأ بني خطني يتواىل على نسبة واحدة، وذه السبيل قسم الزاوية بأي نسبة

لة العاشرة من ويشبه توليد هذه القطوع التوليد الذي ذكره أوقليدس للخطوط يف آخر املقا. عددية شاء .كتابه

: وحيث انتهيت إىل مثل هذا املوضوع من األصل وجدت ما مثاله

Page 7: رسائل فلسفيه

ابن باجه­رسائل فلسفية 7

وهو خبط الشيخ العامل الورع الزاهد الرب العدل . قابلت مجيع ما يف هذا اجلزء جبميع األصل املنقول منه السرقسطي، وهو التقي عصمة األخيار وصفوة األبرار السيد الوزير أيب احلسن بن عبد العزيز بن اإلمام

ينظر يف أصله احملبوبة من يد فريد دهره وبشري عصره ونادرة الفلك يف زمانه أيب بكر حممد بن حيىي بن والعزيز املذكور أدام اهللا عزه يومئذ عامل . الصائغ املعروف بابن باجة قراءة بقراءة على املصنف بإشبيلية

وكان فراغ الوزير أدام اهللا عزه من قراءة هذا اجلزء .عليها ومستفاد خلراجها وما أضيف من العمل إليها .عليه يف تاريخ آخره اليوم اخلامس عشر من شهر رمضان سنة ثالثني ومخسمائة

وكتب احلسن بن حممد بن حممد بن حممد بن النضر بقوص يف شهر ربيع اآلخر سنة سبع وأربعني وجهة .مما سريد بعدكذا يف األصل والراجح أا مخسمائة كما يتضح ذلك

.إنه على ما يشاء قدير. نسأل اهللا سبحانه علماً نافعاً يف الدنيا واآلخرة

وكتب رضي اهللا عنه إلى

الوزير أبي الحسن بن اإلمام

علمي بفضيلتك الفكرية واخللقية ال أجد معه إىل خمالفة إرادتك سبيالً، لتكون سوء عشرة أوض مبعلوم، .وكالمها شرارة

أنه بلغك أن عبد الرمحن بن سيد كان قد استخرج براهني يف نوع هندسي مل يشعر به وكنت قد قلت أحدمها أنا، واآلخر تلف يف : أحد قبله ممن بلغنا ذكره، وأنه مل يثبتها يف كتاب، وإمنا لقنها عنه اثنان

اهللا حرب وقعت يف األرض اليت كنا فيها، وبلغك مع ذلك أين زدت عليه حني استخرجها واألمر أعزكعلى ما بلغك، ويكون ذلك بالعزم على أن أكتب لك كتاباً يتضمنها، وأن أضيف إليها مسائل قد كنت

وقد كتبت إليك كل ذلك دون . ذكرت لك أين صنعت براهينها مدة االعتقال الثاين الذي كنت فيهأحق بشرف احلركة تفصيل، قال الذي صنعته إمنا هو تتميم ملا صنعه الرجل وتصريف له، فاحملرك األول

.من احملرك الثاين إذ كان متحركاً عنه، وقد كتبت إليك ذلك يف هذا الكتاب

كل فعل إنساين فإنه بالذات يسدد حنو غاية ما إنسانية، وهو اخلري الذي ينال بذلك الفعل فمقصد تدبري لواحق، قد ميكن يف وقد توجد أفعال إنسانية تلحق عنها. املرتل الثروة، ومقصد التفكر العلم أو الظن

بعض تلك اللواحق أن تكون متشوقات، فتنصب غايات، فتفعل تلك األفعال اليت تلحقها تلك اللواحق ومن هذا تتقوم صنائع كثرية وقوى بعضها شرور كاملكر . املتشوقة ألجل تلك ال ألجل ما هي له بالذات

ات كتعلم االحتذاء والرياضة باألفعال اليت والتمويه والرياء وصنائع املستعبدين وما جانسها، وبعضها خري

Page 8: رسائل فلسفيه

ابن باجه­رسائل فلسفية 8

منها ما يطلب فيها : تفعل ال لينال ا غاياا الذاتية، بل لتنال أشياء سددت األفعال حبسبها وهي أصنافوالصحة . أمور مباينة يف اجلملة لغاياا كاملصارعة، فإن غايتها الذتية الغلبة، لكن قد تطلب ا الصحة

. ملتنفس من حيث هو جسم متنفس، وهذه يقال هلا رياضة وأفعال رياضيةقوى أو قوى للجسم ا

فأما األفعال اليت . والرياضة باجلملة كل فعل إنساين قصد به أن تتمكن عنه قوة ما، أو تصري حبال أحسنفإن متعلم . ليس يقصد ا حصول ملكة مل تكن فليست برياضة، ولذلك ال يعد تعلم االحتذاء يف الرياضة

بل ليحصل اللحن ملكته، فإذا حصل له اللحن وكمل وردده لتمكن يف نفسه . ن ليس يتغىن ليطرباللحوقد خلصت تلك األصناف اليت تقال عليها . ويكون أقدر على أدائه قيل لذلك الرديد ارتياض يف اللحن

.الرياضة يف مواضع أخر

ن جهة ما هي ممكنة، وغايتها بالذات أحدمها صنف موضوعاته الذاتية األمور املمكنة م: والفكرة صنفان .الظن الصادق، فإن وقع اليقني عنها فالبعرض

ومنها ما موضوعاا األمور الضرورية من جهة ما هي ضرورية، وغايتها اليقني فإن وقع عنها الظن .فبالعرض

والفكرة وقد يسمى يف الوقت بعد الوقت الفكرة الربهانية. واألول خيص الروية، والثاين ال اسم له .وقد يقال الروية على كليهما بالعموم. اليقينية

فأما وجود هذه القوة . والروية والفكرة الربهانية ففي كل إنسان مل تلحقه آفة، وله قوة على قبوهلاوقد توجد لبعض الناس بالطبع على ما يقوله تامسطيوس يف . الربهانية ملكة فإمنا هي لإلنسان باالكتساب

وقد خلص . فأما الروية فاالستعداد هلا ينشأ بتنشئتنا، وهي تكمل باكتمالنا. ذوي الفطر الفائقةالقياس يف أرسطو أمرها يف السادسة من كتاب نيقوماخيا وليس االرتياض حنوها صناعة حمدودة، وال لألفعال

.الرياضية فيها اسم ختتص به، والتجريب من أصنافها

فإن الرياضة اليت تصريها ملكة أصناف كثرية، وهذه تسمى عند القدماء وأما القوة على الفكرة الربهانية،فأما صناعة املنطق فليست برياضة، بل هي صناعة تشتمل على أنواع الفكر . التعاليم والعلوم الرياضية

ونسبها إىل العلوم الرياضية نسبة النحو إىل قصائد الشعر . وكيف تكون، وتلخص كل واحد من أصنافهاا واخلطب وأجزاءها ولذلك يروض حنويوا العرب من يعلمونه بتكليفهم إعراب أشعار العرب وأجزائه

.كشعر امرئ القيس وغريه

وهذه التعاليم أربعة أجناس، ويشتمل كل جزء منها على أجزاء وما جيري جمرى األجزاء، وقد خلص ذلك اجلزئية اليت تروضها كلها يروض فأما هل كل واحد منها يروض قوة جزئية غري القوة. يف كتاب الربهان

Page 9: رسائل فلسفيه

ابن باجه­رسائل فلسفية 9

فقد يظن أن الكل متعاونة على . نوعاً واحداً من الرياضة وتتعاون له، فذلك مما يليق بغري هذا النحوإال أنه إن . ختريج الذهن وتسديده حنو العلم الربهاين، إذ كان بالطبع إمنا عرف وألف الطرق اخلطابية

تب االرمتاطيقاً وغريه تعليمية وأقاويلها فرياضتها غري رياضة كانت صناعة االرمتاطيقي املوضوعة يف كوقد يظن بأيب نصر أنه يرى األقاويل املوجودة يف االرمتاطيقا . اهلندسة، رياضة اهلندسة واحدة بالنوع

فإما كيف األمر فيه فإن القول الئق باالرمتاطيقى إذ كانت . بالغية على ما يفهمه قوله يف شرح اخلطابة .تعاليم يف الرتبة وقوى الفكرة الربهانية أخرىأول ال

وقد يظن بقوة تأليف احلدود أا . والقوة اليت يوجد ا الربهان إما أن تكون كالغاية هلا أو تكون أشرفها .أشرف، إال أن ذلك بوجه آخر، وقد تبني ذلك يف العلم الطبيعي

برهان الوجود، وبرهان السبب، والربهان : فوالربهان بالعموم على ما خلص يف مواضع كثرية ثالثة أصنا .املطلق وهو الذي يعطي الوجود والسبب، وهذا أشرف أصناف الرباهني كلها

فاالرتباض الذي جيعل . واالرتياض يف كل واحد من هذه إمنا يكون بأن تفعل أفعاهلا على ما تلخص قبلأما : ، وذلك بنحوين أحدمها كالغاية لآلخرالقوة الربهانية ملكة، إمنا يكون باستعمال الرباهني املطلقة

األول الذي هو كالتوطئة فهو إن نزاول براهني قد استنبطت على مسائل حمدودة مؤلفة من أمور ذاتية .ضرورية

.والثاين الذي هو كالغية أن يستنبط املرتاض براهني أكثر من واحد على أمثال هذه املسائل

حلد األوسط يكون سبباً لوجود احملمول يف املوضوع، فبالضرورة وظاهر على ما تلخص يف الربهان أن ا .يكون احلد األوسط إما حداً أو جزء حد

وهذا االرتياض ضرورة إمنا يكون فيما تصور مبا به قوامه، ألنه إن تصور ال مبا به قوامه مل يكون فيما اً، وكان القياس إما دليالً وإما قياساً تصور مبا به قوامه، ألنه إن تصور ال مبا به قوامه مل يكن األوسط شيئ

.صادقاً، وهو الذي يسميه اإلسكندر األفروديسي برهاناً منطقياً

وملا كانت التصورات، كما قلناه يف أقاويلنا يف صناعة النجوم، منها أول وهي املناسبة للمقدمات األول، شأا أن يوقعها قياس، وكانت هذه ومنها ما توجد بنحو آخر على ما توجد عليه املقدمات اليت ليس من

إما أن تكون متقدمة أو متأخرة، واملتقدمة هي اليت ا يكون االرتياض، وكانت األطوال وما يعرض هلا فإن املثلث قوامه بأنه سطح حتيط به . ويوجد هلا مما يتصور ذا النحو، كانت مما ميكن أن يرتاض ا

ا مبساواا للزاوية اليت صامها وقد يظن ببعض الرباهني املكتوبة أا ثالثة أضالع، والزاوية القائمة قوامهإن املهندس قد يبني املسألة وعكسها، فإن كان برهان أحدمها : دالئل، فإن ملتشكك إن يتشكك فيقول

برهاناً مطلقاً فاآلخر ليس كذلك، فبان أن كل مثلث مستقيم اخلطوط زواياه مثل قائمتني ليس بربهان

Page 10: رسائل فلسفيه

ابن باجه­رسائل فلسفية 10

قد خلصنا يف أقاويلنا يف الربهان ن أمثال هذه ليست مباينة للقضايا املؤلفة من احملموالت على و. مطلق .ارى الطبيعي، بل إمنا هي تتميمات للرباهني الكائنات عليها

مثال ذلك ما بينه . وإما هل يكون يف األقاويل اهلندسية أمور بالعرض، فذلك إمنا يكون عن سهو املهندسن ضلع املسدس إذا اتصل بضلع املعشر انقسم اخلط على نسبة ذات نسبة وطرفني، فإن ذلك أوقليدس إ

إمنا هو لضلع املسدس بالعرض ملا عرض إن كان مساوياً لنصف وتر الدائرة، وهو مثل قولنا الطايف على . له إن كان زيتاًاملاء إذا اتصل بالنار صار هلباً، وليس ذلك للطايف بأنه طاف، وإمنا ذلك للطايف بأن عرض

وهذا قل ما يوجد يف كتب املهندسني، وإمنا تسامح يف ذلك أوقليدس، أو ذهب عليه، لتالزم وجود ضلع .املسدس ونصف القطر بالتكافؤ لزوم الوجود

اكتساب البراهين

لزمان فقط االستنباط للرباهني متقدم يف الوجود على اكتساا بالتعلم، فإن اكتساا بالتعلم إمنا يتقدمه باعند إنسان ما، لكن بعد إن يتقدم اكتساا ضرورة عند إنسان غريه باالستنباط، ولذلك كان القول فيها

وأيضاً فنما يوصف بصناعة اهلندسة من كانت له قوة على صنعة . متقدماً بالرتبة على القول يف تعلمهاني املستنبطة حىت يكون كما قال شاعر براهينها، أما من مل تكن له تلك القوة، واقتصر على حفظ الرباه

.يونان كتاباً مبسوطاً، فإمنا يقال له مهندس على طريق التشبيه بذلك

واملركبة مثل . واملطالب يف صناعة اهلندسة إما مركبة وإما بسيطة: فلنقل فيما خيص االستنباط اهلندسيوأما بسيطة، والبسيط . الثالثقوهلم إن اخلط األوسط بني خطني على نسبة تقوى على مسطح األول يف

واملهندس فال يستعمل البسيطة أصالً، بل إمنا . على ما بني يف بأرامينياس مثل قولنا هل اخلالء موجودنريد أن نبني هل ميكن أن حند مرآة تكون قطعة من : مثل قولنا. يستعمل قوا، ويستعملها على حنوين

ا وصلنا بينها وبني الشمس وبينها وبني احملرق كانت قطع مكان حيرق جسماً يكون فيها على وضع إذفإن كان ذلك فكيف حنده، : الزاوية اليت حييط ا اخلطان قائمة، ومن عادم إذا قالوا ذلك وصوال القول

فإن قوة قوهلم هل ميكن أن حيد هي قوة قولنا هل هو موجود، أم هل هو حال ال ميكن . وهذان مطلبانري هذا املسلك ففصلوا احلد، ومحلوا بعض أجزائه على بعض، مث بينوا وجود ورمبا سلكوا غ. وجوده

احملمول للموضوع بربهان، فإذا تبني ذلك القول ألفوا احلد، مثل ما يفعل أوقليدس يف اخلطوط الصم يف إذ املقالة العاشرة من كتابه، وكما فعل ذلك أبولونيوس يف القطوع الثالثة يف أول كتابه يف املخروطات،

وليس كذلك املثلث املتساوي األضالع وال املخمس، ولذلك ملا . كانت هذه كلها ليست ببنية الوجود

Page 11: رسائل فلسفيه

ابن باجه­رسائل فلسفية 11

.كان بني الوجود، وكان قوله الذي يتصور به حداً، مل يستعمل فيه واحد من هذين النحوين

يق اليقيين يف هذه وهذان مها حنواً التصد. فهذه أ؛د أنواع املطلوبات، وبني أن غاية هذا النحو هو التصديق .الصناعة خاصة

كيف نعمل على خط : وقد يطلبون جزءاً آخر من الطلب، مثل ما افتتح به أوقليدس كتابه، وهو قولهويظن أن غاية هذا النحو ليس بالتصديق، فإنه إمنا يصنع . مستقيم معلوم القدر مثلثاً متساوي األضالعني هو املثلث الذي يكون رأسه ذه الصفة، ويعطى الربهان أوالً املثلث الذي يكون رأسه تقاطع الدائرات

على ذلك، فيصل ذا النحو إىل مطلب مركب، وهو أن كل مثلث برأسه تقاطع الدائرتني فهو املثلث فغايته القصوى إذن هي وجود الربهان، وذا تكون املسألة . املتساوي، مث يعطي الربهان على ذلك

.ارتياضية

به من إفادته القوة على إجياده يف املواد على مثل ما يستعمل كثرياً، مما تبني يف الصناعة فإما ما يظن فإن كثرياً من املطالب النظرية يف هذه الصناعة . النظرية، أهل اهلندسة الفاعلة، فذلك بالعرض ال بالذات

سم وكانت مثال ذلك وجود وعاء من جسم شكل بسيطه مستطيل فإنه . يتبني وجودها بأنفسهاقاعدته طوله، فإنه الشاهد إذا شاهده مرة واحدة يف جسم واحد، كأنك قلت فضلة توب أو قطعة رق،

غري أن هذا البيان ال يكون هندسياً . وقع له اليقني يف كل جمسم باإلطالق مصنوع من خمتلف األضالع ال باألحوال كذا، هي النسبة اليت أصالً، وإمنا يكون هندسياً إذا قال نسبة اسم إىل اسم، إذا كانا

وإمنا يوقع الظن بذلك أن كثرياً من املطالب . تؤلف من قواعدها وارتفاعها، مث أتى بالربهان عل ذلكاهلندسية مبادئ ألعمال اهلندسة الفاعلة كالبناء والنجارة، وهذا أمر عرض هلا من حيث هي أمور

ا هذا الظن، وكانت أعمال اهلندسة منافع، كانت وملا ظن . موجودة ال من حيث هي صناعة رياضيةومن كانت عنده اهلندسة الفاعلة مجلة قل عنده . عند من ظن ا هذا الظن هذه املطالب أشرف مطالبها

.لذلك جدوى اهلندسة وأطرحها ومهه

.والسبب يف ذلك كله خفاء غايتها الذاتية من ظهور غايتها اليت هلا بالعرض

وع من النظر إذا أخذ من حيث هو ارتياضي نظري، فإمنا يفيد وضع املسائل املركبة، وظاهر أن هذا الن .فإن وضع املسائل مركبة ليس مما يرشد إىل نفسه، بل حيتاج إىل صناعة وتأن

وملا كانت العبارة عن األمور اهلندسية باأللفاظ الدالة على معانيها يطول، استعمل املهندسون عوضها إذ كان استيفاء العبارة عن بعضها يف غاية العسر والطول ولذلك نستعمل حنن ذلك العبارة بعالمات،

.فيما نقول ال يف املثل

Page 12: رسائل فلسفيه

ابن باجه­رسائل فلسفية 12

فيمكن أن يكون على خط أ ب مثلثات . فليكن خط أ ب مفروضاً، وليعمل عليه مثلث أبج كيف كاننريد أن نعلم هل ينتهي ال اية هلا تكون زواياها مساوية لزاوية ج، ومثلثات زواياها أعظم أو أصغر، و

كل مثلث يعمل : دائماً إىل خط واحد أي خط كان أم ال، فإن كان ال ينتهي فنضع ذلك مطلباً، وتقولوإن تبني أا تنتهي . على مثلث خط أ ب تكون زاويتاه مثل زاوية ب فسينتهي بعضها إىل خطوط خمتلفة

حال حمدودة، جعلنا ذلك مطلباً، وتلونا إىل خط واحد، وهو قوس من دائرة حال قطرها من وتر القوسوكذلك إذا فرضنا خط أ ب عليه نقطتان ح د، وأردنا أن يكون سطح أ د . ذلك استعمال الربهان عليه

يف ح د، مثل مربع د ب، وسطح ب ح يف ح د مثل مربع أ ح، مث وقفنا الفكرة اهلندسية على أنا إذا يط معه بزاوية، وأنفذنا ر إىل م، وط ز إىل ب، وجعلنا وضعنا ه ز مفروضاً وكان ر ط املساوي له حي

.نقطة ه رأساً ملكان ضلعه القائم ه ز، وهو قطره

.إىل هنا وجدت هذا القول احلمد هللا على إحسانه، وصلواته على خري خلقه حممد وآله وصحبه

بسم اهللا الرحمن الرحيم

واهللا الموفق والمعين

ومن كالمه رضي اهللا عنه

ية الشوق الطبيعيفي ماه

.قال الوزير أبو بكر رمحه اهللا

التشوقات النظرية الطبيعية أوهلا وأقدمها ال بالزمان فقط بل وبالطبع، وكما يتقدم السبب املسبب وهو وهذا قد ميكن أن يعطي خلواً من اهليوىل، . الذي به نقول ما هو، وهو التشوق إىل ما به قوام ذلك الشيء

اهليوىل حدث تشوق آخر، وهو الذي نسأل بعما ذا هو، فإذا علمناه واتفق أن أعطى فإذا أعطى خلواً منهذان فقط حدث تشوق آخر، وهو الذي فوق هذه الصورة هذا املوضوع وألي شيء لقريب وكيف

فإذا . صار له بعد أن مل يكون له يف وجوده، سواء كان كائناً أو مل يكن، وهذا السبب هو احملرك القريبه حدث لنا تشوق رابع وهو مل كان هذا، وماذا كان القد يف تأليف هذا املعىن إىل هذا املوضع أعطينا

الذي من أجله حرك احملرك، وما القصد يف هذا الوجود، فإن لنا بالطبع هذا التشوق، ولذلك يعد أرسطو ن هذه املقدمة لو كانت أن الطبيعة ال تفعل باطالً وإمنا تفعل من أجل شيء، يف املقدمات األول، فإ: قولنا

فلنرتله . باطالً حىت يكون فعل الطبيعة حنو شيء إمنا هو بالعرض ال بالذات، لكان هذا التشوق غري طبيعي .كما هو يف نفسه، فإذا أعطيناه فقد كمل العلم بالشيء، وكف التشوق مجلة

Page 13: رسائل فلسفيه

ابن باجه­رسائل فلسفية 13

والغاية، ترتل كل واحد من هذه وإذا تأملنا كل واحد من هذه األربعة، اليت هي الصورة واملادة والفاعلوهذا ال مير إىل غري اية فسنصل إىل مادة ال مادة هلا . مرتلة الشيء، ونشأ تشوق إىل الوقوف على أسبابه

فإذا هذا التشوق إمنا . أصالً، وإذا وقفنا على مادة ال مادة هلا مل ينشأ تشوق وكف هذا التشوق ومل يوجدألنا مىت مل جنده كان تشوق، فوجود هذا . سبب له إلينا نسبة طبيعيةكان من أجل هذا السبب، فهذا ال

. هو الغاية اليت إليها تتحرك ذا التشوق إمنا كان من أجل هذا السبب، فهذا السبب له إلينا نسبة طبيعية

وكذلك مىت وصلنا إىل. ألنا مىت مل جند كان تشوق، فوجود هذا هو الغاية اليت إليها نتحرك ذا التشوق

وكذلك إذا وصلنا إىل . فاعل ال فاعل له أصالً كف هذا التشوق، فإذن ذلك الفاعل كان ملتشوق بالطبعوكذلك يف الغاية القصوى إذا وصلنا إليها . صورة ليست أصالً متصورة بغريها كف أيضاً ذلك التشوق

.كف ذلك التشوق

اط فتكون فيها التشوقات الثالثة أم ال لكن إذا كف تشوق واحد، كتشوق اهليوىل، فهل يرتل مرتلة األوسفإن مل يكن كذلك فأي التشوقات يبقى وأيها يذهب، وهل كلها كذلك أو . يكون فيها تشوق أصالً

إن التشوق الذي يكمل بذلك السبب، : بعضها، وما نسبة التشوقات الطبيعية بعضها من بعض، فنقولفأما أنه ميكن أن ينشأ فيه موضع . لك السبب أوالًفليس ميكن أن يكون فيه، فإنه لو كان فيه مل يكن ذ

أما وجود املادة فينقطع عنه بذاته أوالً التشوق إىل وجود السبب والذي . سؤال، فذلك ممكن يف بعضهعلى طريق املادة، وينقطع عنه بالقصد الثاين السؤال مبا، ألا غري ذات صورة كما تبني يف األوىل من

إن كانت ذات صورة فهناك مادة أقدم، ولذلك ينقطع عنه من ذلك السؤال عن السماع الطبيعي، فإا وأما السبب الذي على طريق . الفاعل، ألن كل ما ليس بذي صورة فليس هناك حمرك وال ما جيري جمراه

الغاية فلم ينقطع عنه، فإنه لو انقطع عنه لكان موجوداً بنفسه، وهو إمنا هو موجود بالفعل، فكيف يكون وكذلك الفاعل واحملرك يح فإن الواجب أن ننتهي . وداً على أن وجوده ذاته، فهذا السبب يبقى دائماًموج

إىل فاعل ال مادة له، ألنه إن كان ذلك مادة لزم هناك أن يكون فاعالً أو ما جيري جمراه، وهو الذي به . م املستديرة يف موادهاصارت هذه الصورة يف املادة، سواء كان ذلك تكوناً أو وجوداً كصور األجرا

فإما . وكذلك الغاية ألا إن كانت صورة يف مادة لزم أن تكون هناك األربعة، فصارت غري غاية قصوىالصورة فليس يلزم فيها ذلك من هذا الوجه أوالً، فإنه إن وضعناها يف مادة مل يلزم عنها ضرورة أن ال

وحمرك، وهو السبب الذي به تكون الصور من تكون صورة قصوى، بل يلزم عنها أن تكون هلا غاية لكن إن حنن نظرنا إىل الغاية، فإن كانت غري الصورة، فهي خارجة عنها، ففي الصورة جزءان . اهليوىل

ولنرتل األمر على أن الصورة . أحدمها أكمل من اآلخر، واألكمل هو صورة، فلم تكن صورة قصوى

Page 14: رسائل فلسفيه

ابن باجه­رسائل فلسفية 14

.القصوى ليست يف مادة

لتشوقات، فإن كانت الصورة والغاية والفاعل واحد باملوضوع كثرية بالقول، فهذه إذن هي مبادئ ا .فذلك املطلوب الطبيعي ذه القوة النظرية اليت لنا بالطبع

وهذا التشوق قد . لكن قد توجد هنا تشوقات أخر غري هذه، وهو تشوقنا الذي يدل عليه حرف هلنا إمنا نسأل ل بعد أن يكون الشيء عندنا متصوراً يتقدم يف الزمان السؤال مبا، ولكن ذلك بالعرض، أل

وهذا السؤال إمنا يكون فيما مل يعطيناه . بوجه ما، وأنه معىن ما معقول، مث نطلب هل هو موجود أم الفإذا صار يف حال التصورات الطبيعية، صارت له التشوقات . الطبع، وفيما هو ليس لنا معلوم بالطبع

فإن . و موجود، هو لنا باحلال اليت لنا من غري الطبع، وإمنا هو طبيعي بوجه آخرفالسؤال ل ه. األربعةالسؤال ل هو إذا كان القضية املقرون ا حرف هل إمنا هو ليصري به ذلك املوضوع يف احلال اليت من

.التصورات الطبيعية، وبينا أنا قد عرفنا ما الذي دل عليه بذلك القول

.إحدامها كاملادة، وهو أن يكون متصوراً مطلقاً: ي أن له إىل أذهاننا نسبتنيويتبني يف كل أمر طبيع

والثانية شيء يوجد يف التصور، وال ميكن أن يوجد خلواً منه، وهو التصديق إن ذلك املعىن مستند إىل مه وإمنا مشار إليه، وإن ما له ماهية خارج الذهن ا وجوده وليس وجوده مبا له يف الذهن حىت يكون قوا

هو بالذهن فقط، وإن ذلك التأليف الذي له إمنا استفاده من الذهن، والذهن سبب وجود ذلك التأليف .فيكون سبب وجوده ال يف ذاته، بل خارج ذاته وقد استقصى ذلك يف مواضع آخر

، وكل متحرك فله حمرك، واألمر إذا كان مزمعاً أن يكون يقيناً فيجب أن يكون قبل بالقوة يقيناًفالبضرورة سيكون أمر يصريه شيئاً بالفعل، واالعتقاد حبال الذهن من حيث هو ذلك التصور موضوع، ألن التصور كما قلنا إمنا هو جيري جمرى اهليوىل، فإن كان إمنا صريه يف الذهن حال خارج عن التصور،

ليس متصالً كان ذلك سبب وجوده يف الذهن فذلك مفارق لذاته، فقد ميكن أن يوجد من حيث هووإذا ورد من تلك اجلهة مل توجد له تلك اإلضافة، فلم يكن يقيناً، وعاد الذهن إىل حالة . بذلك السبب

.فلذلك كان من خاصة اليقني إال يزول بعناد أصالً. األوىل

وإذا صار يف الذهن من حيث هو ما هو، وحترك من القوة إىل الفعل بالقوة املستفادة، خرج من القوة إىل وحال هذا من النفس يقال له يقني، فلذلك إما أن ال يعلم بسبب هو تصور، وذلك هو املعلوم . الفعل. وإما أن يعلم بوسط هو سبب وجوده، وإذا علم على هذا الوجه كف التشوق لذلك السبب. بوسط

بقى بعده فلذلك الربهان الذي هو حد بالقوة أكمل الرباهني، واحلد املؤلف أكمل احلدود، ألنه ليس يوظاهران يف أجزاء . وبني أن أجزاء أمثال هذه الرباهني، ينبغي أن تكون أجزاء احلدود. تشوق أصالً

Page 15: رسائل فلسفيه

ابن باجه­رسائل فلسفية 15

وأيضاً فإن أجزاء احلدود . احلدود ما يليق أن يكون نتيجة برهان، ومنها ما يليق أن يكون مبدأ برهان .جيب ن تكون أسباباً وذاتية

قسمة، بل هذا شيء جيب أن يكون معلوماً عند القسمة، وهذا وظاهر أن القسمة ال تعطي ذلك مبا هي وكذلك يعرض مثله يف طريق التركيب، فإن التركيب مبا هو . العلم هو املشتهر بالعرض ال بالذات

فإن القصد بذينك النظرين احلدود، فكيف ميكننا أن نستعمل احلدود فيهما، وال . تركيب ال يلزمه ذلك .احملموالت ذاتية إال باحلدودطريق إىل الوقوف على أن

فأما الربهان فإن ذلك من أجل ما به وجوده، وال يلزم ذلك فيه طريق دور، فإن املوضوع فيه ليس فبني أن العلم بالربهان إذا . احملدود بل هو جزء احلد، وليس يف وضع علم حده مصادرة على املطلوب

ها إليه هي الذاتية، غري أنه يفيدها وهي غري حممولة كان ذه الصفة مل يفد أسباب الشيء، وظاهر أن نسبتمثل أن يكون جزء الربهان جزءاً غري تام، . عليه، ألنه إمنا أفادنا األجزاء وهي حبال ال ميكن ن حتمل عليه

فلذلك يبقى أن تصري تلك األجزاء حبال حتمل عليه، ويركبها تركيب تقييد، فيصري ذلك الربهان الذي . حداً بالفعلكان حداً بالقول

فأما إذا كان املطلوب حده طرفاً أصغر يف القياس، فإن الوسط إن كان غري سبب وللموضوع، مل يلزم ضرورة أن يكون ذلك سبباً للموضوع وال ذاتياً له، فكيف ميكن أن يكون منه حد، فيحتاج إىل سباره

م كلياً له، كان الطرف األوسط وأن كان الوسط سبباً، وكان كالطرف األعظ. بأشياء آخر غري الربهان .جزء حد، وكان الطرف األوسط اجلزء األول القريب منه، ومنه يأتلف احلد

وأجزاء احلدود املؤلفة بالطريق الصناعي . فقد ظهر مما قلناه نسبة الربهان إىل احلد، وما مقدار غنائه فيه هناك جزء وهو بالذات مبدأ برهان، وغري املؤلفة، نسب أجزائها بعضها إىل بعض واحد بالنوع، فإن كان

وإن كان هنالك جزء هو نتيجة برهان، كان هناك جزء جيري . فهناك جزء جيري جمرى مبدأ برهان .جمراه، فتكون احلدود

وإن كان هناك حدان، أحدمها متقدم لآلخر، واملتقدم هو مبدأ برهان واملتأخر نتيجة برهان، ففي احلدود ويكون . احلدود إما حداً هو مبدأ برهان، أو حداً جيري جمرى مبدأ برهانفتكون. األول ما هو كذلك

وكذلك تكون مؤلفة من أجزاء نسبها هذه . حد هو نتيجة برهان، أو حد جيري جمرى نتيجة برهان .النسب بعينها، فيكون احلد مؤلفاً من مبدأ أو ما جير جمراه، أو نتيجة برهان أو ما جيري جمراها

وأما النسب اليت ا تكون أجزاء احلد . ألجزاء احلد من حيث احملدود طبيعة قائمةفهذه النسب هيفصوالً وأجناساً، فإمنا هي هلا من حيث املوضوع للحد مضافاً إىل مقابله، ومن حيث هي شيء آخر

.غريه

Page 16: رسائل فلسفيه

ابن باجه­رسائل فلسفية 16

.فلنقل يف الرباهني اليت تنتج املتأخرة عن املوضوع

.وجدهذا آخر كالمه يف هذا املعىن وكذا

.احلمد هللا على نعمه، وصلى اهللا على حممد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثرياً إىل يوم الدين

قابلت مجيع ما يف هذا اجلزء من : وحيث انتهيت إىل مثل هذا املوضوع من األصل وجدت ما مثالهى بن عبد العزيز األصل املنقول منه، وهو خبط الشيخ العامل األوحد الكامل الفاضل الزاهد أيب احلسن عل

.بن اإلمام

.وكما بقوص يف سلخ شهر ربيع األول سنة سبع وأربعني ومخس مائة

.وكتب احلسن بن النضر يف التاريخ املذكور

ومن قوله أيضاً

وهو آخر

ما وجد من قول الحكيم فيما دار بينه وبين الوزير

في الصورة األولى والمادة األولى

. ما وهبه من اجلالل والفضل وطلب احلقائق يف العلمليستدمي اهللا للوزير األجل

رأيت فيما ذكره يف ماهية الصورة األوىل أا تارة تظهر أا صورة لالسطقسات، وتارة تظهر أا أخرى .مرتلتها من الصورة مرتلة املادة األوىل من سائر املواد

البسائط، وهي اليت تتصور وتوجد يف والذي ظهر يل أن الصورة األوىل هي الصورة البسيطة، أو الصور والصورة األوىل أول صورة حتصل يف املادة فهي الصورة معها يف . مادة ال صورة هلا، وهي املادة األوىل

.كما أن املادة األوىل ال مادة هلا كما بني يف آخر املقالة األوىل من كتاب السماع. املادة

السطقسات، ألن الساسطقسات بسائط املوجودات، وأول صورة حتصل يف املادة األوىل هي صورة اهذا من كتاب الكون والفساد، ومن كتاب اآلثار العلوية، ومن كتاب . مادا بسيطة وصورا بسيطة

.وأظهر ما هو من كتاب الكون والفساد. السماء والعامل

ادة مساوقة هلا ويف والصورة أبداً مساوقة للمادة يف الوجود، فال تكون صورة قربت أو بعدت إال يف ممرتلتها ومرتبتها، واملادة األوىل تساوقها يف الوجود فال تكون مادة قربت أو بعدت إال وتساوقها صورة

والرتبة واملرتلة والصورة األوىل وكل مادة سوى املادة األوىل وإن بعدت فإمنا . للوجود يف مرتلتها ومرتبتها

Page 17: رسائل فلسفيه

ابن باجه­رسائل فلسفية 17

تلك الصورة صارت معدة لقبول صورة ذلك املوجود تكون مادة ملوجود ما مفروض لصورة فيها، فوبعد املادة األوىل ومرتبتها ومرتلتها من تلك املادة القابلة لصورة ذلك املوجود هو بعد ومرتبة . املفروض

فإن الصور واملواد . ومرتلة الصورة األوىل من الصورة اليت يف تلك املادة القابلة ذلك املوجود املفروضتقت مادة ما أورتبة بصورة حتصل فيها، كذلك ترتقي الصورة مثل ذلك وعلى نفس تتساوق، فمىت ار

اليت لتلك املادة من الصور األوىل ويف . فإن بعد مادة مفروضة من املدة األوىل مثل بعد الصورة. النسبة .مرتلتها ورتبتها

فاملادة األوىل من . دة األوىلاإلبريق أوالً هو النحاس، مث تراب معدنه، مث االسطقسات، مث املا: مثال ذلكاملادة اإلبريق يف املرتبة واملرتلة الرابعة كذلك اإلبريق صورته أوالً هي صورة اإلبريق املختصة به، مث صورة النحاس، مث صورة تراب املعدن اليت ا صار تراب املعدن معداً ليكون منه النحاس، فصورة االسطقسات

فالصورة األوىل توصف أا صورة . بعد والرتبة واملرتلة يف الرابعةاليت هي الصورة األوىل هي يف ال .اإلسطقسات وتوصف أن مرتلتها من الصور مرتلة املادة األوىل من سائر املواد

إذا تربهن أن املادة والصورة األوىل غري كائنة وال فاسدة، وأا حاصلة بالفعل مادة وصورة، وكل : شكه بإشارة ومل تكن تلك املادة والصورة على مادة االسطقسات وباجلملة ذي مادة وصورة جسم يرشد إلي

فال شيء من املواد الكائنة الفاسدة فما هي املادة والصورة األوىل احلاصلة بالفعل، ومل قيل للمادة األوىل .املشتركة هذا يضي

كالمه في النيلوفر

: قال

ينغمس يف املاء عند غيبوبتها، من قبل أن عنصرها إمنا عرض للنيلوفر وأشباهه أن يظهر بطلوع الشمس وفلذلك إذا طلعت الشمس، وحترك . غليظ بارد إال أن ا رطوبة، وجوهرها من شأنه أن يقبل االنبساط

اهلواء عنها، حرك املاء بنوع حركته فوصلت إليها تلك احلرارة، واجنذب ذلك اجلوهر احلار، فمانعه اجلو ألن قوة ذلك اجلوهر البخاري يف املاء أشد من قوته يف . عنه، فيتحرك علواًالبارد، ومل يستطع التخلص

فلذلك يتحرك علواً حىت إذا صار يف اهلواء صار . اهلواء، وقوة اجلزء البارد يف املاء أضعف منه يف اهلواءت كأنه بني اجلوهرين بالضد وعند ذلك ينفتح الزهر ألن انفتاح الزهر حركته حركة وارد فإذا غرب

الشمس برد ذلك البخار وغرق، وفعل البارد بقوته على احلركة يف اهلواء، فانغلق الزهر، وتقبض النبات، .وغاص اجلزء املرتفع يف املاء

. إن الشمس نسبتها إىل األرض يف املشارق واملغارب واحدة بالنوع: وقد يتشكك متشكك فيقول

Page 18: رسائل فلسفيه

ابن باجه­رسائل فلسفية 18

ض واحد، أو تكون احلرارة يف الغروب أكثر، فيلزم من ولذلك إما أن تكون احلرارة الواصلة عنها إىل األرذلك إما أال تتحرك هذه األشياء هذه احلركات املتقابلة أو يتحرك واحد منها، وتكون احلركة املقابلة

.وسط النهار

إن الشيء الواحد يتحرك حركات متقابلة يف مواد متقابلة مثل النار اليت تذيب الذهب وجتمد : واجلوابأيضاً فإن احلركة إمنا تلتئم بوجود احملرك واملتحرك، فأول النهار حيرك حبرارته اليت يستفيدها ألن و. اخلزف

.املتحرك عنه موجود وهو احلار بالقوة، وآخر النهار حيرك بالربد ألن البارد بالقوة موجود يف ذلك الوقت

.وقد تلخص كيف ذلك يف غري هذا املوضع

.غريههذا ما وجد من كالمه يف هذا و

.نسأل اهللا العظيم التوفيق يف العلم والعمل وخامتة خري يف عافية

احلمد هللا على إحسانه وصلى اهللا على سيدنا حممد اهلادي إىل الرشاد وآله وسلم تسليماً وهو خري من .توكل عليه

ومن كالمه في البحث

عن النفس النزوعية

ولم تنزع وبماذا تنزع

: الرتوعية باخليال: والنفس الرتوعية أما أن تكون جنساً لثالث قوى وهي: البسم اهللا الرمحن الرحيم ق

.وا تكون التربية لألوالد، والتحرك إىل أشخاص املساكن، واأللف والعشق وما جيري جمراه

.ومجيع الصنائع داخلة يف هذه. والنفس الرتوعية بالنفس املتوسطة، وا يشتاق الغذاء والدثار

.ان للحيوانوهاتان مشتركت

.ومنها الرتوعية اليت تشعر بالنطق، وا يكون التعليم والتعلم وهذه خيتص ا اإلنسان فقط

.وإما أن تقال على هذه الثالث بتقدمي وتأخري

وقد يوجد من احليوان ما ليس له شوق . وبني أن كل حيوان فله النفس الرتوعية املتوسطة وا يشتاقاملتوسطة متقدم بالطبع للرتوعية اخليالية، وظاهر أن كل إنسان على ارى وشوق الرتوعية . اخليالية

.الطبيعي فله هاتان القوتان متقدمتان على الرتوعية والناطقة بالطبع

وقد تبني يف الثامنة أن كل متحرك فله حمرك، وحمركة غريه، وتلخص هناك أجناس احملرك، واملتحرك قد خارجاً عن الطبع، فاملتحرك بالطبع كاحلار، وأما اخلارج عن الطبع يكون متحركاً بالطبع وقد يكون

Page 19: رسائل فلسفيه

ابن باجه­رسائل فلسفية 19

وكذلك املتحرك قد يتحرك خارجاً عن الطبع كاحلجر إىل فوق، وقد يتحرك بالطبع . فكسهم املنجنيق .كاحلار بالقوة واجلاهل إىل العلم

. حمركه خارجاً عنهواملتحرك بالطبع أما من ذاته وهو ما كان حمركه فيه، وأما من غريه وهو ما كان

وأعين به أن يكون حمركه به وجود ذلك املتحرك، من حيث هو ذلك النوع من اجلواهر اجلسمانية، حىت وهذا قد يكون طبيعياً . يكون به قوام ذلك اجلوهر، ويكون ذلك داخالً يف حده كاحلال يف احليوان

لصناع فهو داخل فيها بالعرض وخارج وبذاته، وهو كأصناف احليوان، وقد يكون صناعياً كامليكانة، وا .فهناك جرت العادة بتحديده وتلخيص القول فيه يف موضع آخر. عنها بالطبع

وما كان غري متقوم من هذين اجلنسني فليس . واملتحرك من ذاته فبني أنه منقوم من احملرك واملتحركيه من خارج عن ذاته بالقسر، فإن مثال ذلك احلجر، فإن احملرك فيه ليس بذاته، لكنه ف. مبتحرك من ذاته

وإذا كان كذلك فليس مبتحرك، وإذا كان فوق فوجوده إمنا هو له . الذي للحجر بذاته كونه أسفلفلذلك حيتاج يف احلجر ضرورة إذا حترك أن يكون . بقاسر يقسره، وإذا تنحى القاسر حترك إىل أسفل

أحدمها طبيعي وهو مىت كان احلجر أرضاً : أسفل بالقوة، وال يكون أسفل بالقوة إال بأحد وجهني .بالقوة

.والثاين غري طبيعي وهو مىت كان بالفعل ناراً أو ماء أو هواء فكان فوق بالفعل، وأسفل بالقوة

وهذه القوة يف النار من حيث نار بالطبع ألن النار بذاا أن تكون فوق بالفعل، ويلزم ذلك أن تكون وقد تكون أسفل بالقوة، وهو إذا كانت أيضاً بالفعل، . األوىل املشتركةأسفل بالقوة من أجل اهليوىل

.فأمسكها ماسك فوق فهذه القوة للحجر ليست طبيعية، لكنها بالطبع من أجل اهليوىل

وأسفل، أسفل . وقد بني أبو نصر يف كتابه يف املوجودات املتغرية كيف يصري ما هو بالقوة الطبيعية .كة حمركة فليؤخذ علم ذلك من هناكبالفعل، وكيف يتحرك حبر

فأما األرض إذا حتركت إىل فوق فهي أسفل بالفعل، وقوا على فوق . فإذن األرض حتتاج إىل املتحركفأما قوا إىل فوق وهي حجر فهي هلا بالطبع، على وجه ما قد . قوة طبيعية، لكن ال على أا حجر

ر فإذن ما كان له املتحرك واحملرك طبيعيني، فهو متحرك خلص يف غري هذا املوضع، فتحتاج إىل حمرك قاسوأما االستحالة فليس . بذاته، كحركة احليوان املكانية، ألن ذلك ال ميكن إال يف احلركة املكانية فقط

.جيتمع احملرك واملتحرك يف شيء بالطبع

يب مريضاً، فها والفحص عن ذلك يليق بغري هذا املوضع كحركات الصنائع، مثال ذلك أن يكون الطبهنا جيتمع احملرك واملتحرك يف شيء واحد، ويتطبب املريض من ذاته، لكن ليس ذلك بالذات لكن

Page 20: رسائل فلسفيه

ابن باجه­رسائل فلسفية 20

إن من البني املقر به أن احلجر إذا زال القاسر حترك : فليكن هذا مبدأ ملا نريد أن نقوله فنقول. باالتفاقوقد تبني يف الثامنة أن مزيل القاسر . ه مبدأإىل أسفل، فكان هبوطه شافعاً لزوال القاسر، وزوال القاسر ل

حمرك بوجه ما، فإن احلجر إمنا حترك بزوال العائق، فكالمها حمرك، لكن مبدأ احلركة كما تبني هنالك إمنا هو مزيل العائق، وعند ذلك صار احلجر ما كان له أن يكون، فإن الثقل ليس مبحرك بطبيعته، إذ لو كان

ومن هنا يتبني ما قاله أرسطو يف . ه حمرك بالطبيعة، واملتحرك عنه إمنا هو بالقسرحمركاً بطبيعته، لكان لقد تبني يف : فأما كيف حرك الثقل احلجر فنحن نقول فيه. الثامنة أن اجلمادات ليس تفعل بل تنفعل

دى وإمنا وجودها أبداً بالقوة إح. مواضع كثرية أن اهليوىل ال صورة هلا، وال هي شيء موجود بالفعلوبني أيضاً أن املوجود ينقسم إىل املقوالت العشر، وإن . املقوالت العشر، وهذا هو مرتبتها يف الوجود

اجلوهر الكائن الفاسد قوامه ذا املوضع الذي هو اهليوىل األوىل، ومبعىن آخر هو به موجود، وهو ن يوجد جوهر هيوالين واهليوىل يوجد فيها ضرورة أكثر من مقولة واحدة، فإنه ليس ميكن. الصورة

خلواً من أعراض كثرية، ومثل أن يكون ذا كم وذا أين وذا كيف إىل غري ذلك من أجناس املقوالت العشر، لكن تتقدم يف اهليوىل ضرورة أحد أنواع اجلوهر، ولذلك يوجد يف اهليوىل ما يوجد فيها من أنواع

مبا يف مقولة اجلوهر، وما يف مقولة اجلوهر يوجد يف املقوالت التسع، وقوام ما فيه املقوالت التسع إمنا هو وال ميكن أن يكون شيء مما يف املقوالت وقوامه خلو من اجلوهر، وذا . حدود ما يف املقوالت التسع

يفارق اجلوهر األعراض، فإن اجلوهر إمنا هو معىن يوجد يف املادة األوىل، واملادة األوىل إمنا هي موجودة القوة وإمنا هي بالقوة أحد اجلواهر من حيث هي ما هي، فهي بالقوة أحد أنواع العرض كما قلنا بأا ب

.من حيث هي جوهر ما، وكذلك هي بالفعل أحد اجلواهر بذاا وهي أنواع األعراض فإا جوهر ما

إا ال تكون بالقوة جوهراً غال وهي جوهر آخر، لكن ذلك : وقد يتشكك على هذا القول فيقالال بالذات، ألن ما بالقوة ليس مبفارق املوجود ألنه لو كان مفارقاً لكان ما بالقوة موجوداً بالعرض

.بالفعل شيئاً واحداً وهذا بني بنفسه عند مزاولة الصناعة الطبيعية أيسر مزاولة

م ل أوالً، فيلزم من ح ومن ك آ، فإذن ه هي بالقوة ح ك . فليكن على ما بالقوة ه، وليكن بالقوة هو حوسواء كانت األعراض واحداً أو أكثر ف ح آ، وليس . فإذا صار الفعل ح صار ك م ل. على ترتيب

توجد يف ه بذاا بل هي أحد أسباب وجودها آ ك يف ه و ي، وليس كذلك ح، فإن ح توجد يف ه من ع آخر جمانس وأما أن ه إذا كان بالقوة ح كان عند ذلك يف ه نو. غري أن يتقدم يف ه وجود آخر بالذات

فأما أن ه حتتاج يف كوا ح إىل . فليس ذلك النوع سبباً لوجود ح يف ه. ل ح، فذلك بالعرض ال بالذاتسبب آخر وهو احملرك، فذلك إمنا هو لشخص شخص من أشخاص اجلواهر ملا كانت صور األشخاص

Page 21: رسائل فلسفيه

ابن باجه­رسائل فلسفية 21

واحد، وهذا خارج عما متقابلة يف هيوىل واحدة بالعدد، ومل ميكن اجتماع املتقابلني معاً يف وقت .قصدناه

دون سبب يتقدم 1ولتكن اهليوىل األوىل ه، وليكن ك أين ما كأحد أنواع الفرق، وك ليس يوجد يف ه، وإال فتكون األعراض مفارقة للجوهر، فليكن على ذلك املعىن املتقدم ح، ف ح إن كان 2وجوده يف ه

س به قوامه ف ك يف ح خارج عن الطبع، به قوام ك ف ك يف ح على ارى الطبيعي، وإن كان ليووجوده فيها خارجاً عنه قسراً أو غري ذلك، ولنه أين فهو قسر ضرورة، إذ أنواع األين متقابلة، وجنسها غري مفارق للجوهر، بل يلزمه التكافؤ ضرورة، وذلك بني ملن زاول هذه الصناعة أيسر مزاولة، فوجوده

لة من املتقابلة اليت هي للموضوع بالسواء كاجللوس والقيام لزيد، فإذن فيه إمنا هو لعائق، إذ ليس ك ومقابيتقدم ك يف ه وجود أخر وهو إما وجود ح، وأما نسبة العائق إليه، وهو سبب على أنه جزئ مما به قوام

ك، فليكن على العائق ق ف ك يوجد يف ه مع وجود ح أو ق ضرورة، وليس ميكن أن يوجدك يف ه . بالقول مثالً فكيف بالوجوددون ح أو ق وال

فإذا زال ح، وزوال ح إمنا يكون ضرورة بتغري وقد يكون بالطبع وبأسباب أخر، فستزول ك بزوال ح، إن زال ح دفعة زال هو دفعة، وإن زال شيئاً فشيئاً زال هو شيئاً فشيئاً فزوال ك مساو لزوال ح، ألن ك

ول ك وح باق، فإذا كان ك يف ح بالعرض إن كان يف ه يتقدم وقد يتفق أن يز. فرضناه عرضاً طبيعياً ذاتياًوجود ق، فبزوال ق يزول ك، وإن كان ق يزول شيئاً فشيئاً ساو ق زواله زوال ك فإن زال دفعة، وذلك ممكن ففي ذلك اآلن يلزم زوال ك، لكن إن كان ك له ضد، وإن كان ال وسط بينهما زال دفعة، وليكن

اه ل ح خارجاً عن الطبع، فإذن ل ح بالطبع صار ك يف ح، إذ ال وسط بني على ضده ل، وألن ك فرضنوإن كان بينهما أوساط فبني أن ح هو . ك ول، وال خيلو ح منهما كالواحد والكثري والزوج والفرد

بالقوة ذلك الشيء الذي إليه يتحرك، ألن كل متحرك فهو بالقوة ذلك الذي إليه يتحرك، ففيه املتحرك بالقوة ل هو بالفعل ك، ف ك منقسم، فإذن جيب ضرورة أن يكون يف ه ل وحيتاج وجود وألن ما هو

شيء آخر يوجب ذلك، كما قلنا، وهو إما ه وإما ح، لكنه ليس ه، فهو ح، وهو الذي يوجب له أن يكون فيه ك، وبه يستأهل ه ك، فلذلك يلزم ضرورة أن يكون ك يف ه يف اآلن لكن ملا كان ل وك

قسمني، مل يكن ذلك يف اآلن وكان يف زمان، فلذلك وجد جزء على اتصال دون أن يكون متضادين من .فإذن ح هو احملرك له على هذا الوجه. يف أحد األجزاء أبني، وهذا هو احلركة

وقد يسأل سائل يف ك ول، إذا كانا ال وسط بينهما، مىت صار ك يف ح، فإن كان يف اآلن الذي زال فيه وإن كان آخر، وكل . ، فقد صار ح هو ك ل معاً، ومها متضادان، وذلك ال ميكنح، وح كان أبدا ك

آنني فبينهما زمان، فقد كان ح خلواً من ك ول، وصار بينهما وسط، وذلك كله خالف ما فرض

Page 22: رسائل فلسفيه

ابن باجه­رسائل فلسفية 22

وقد تبني أن احلركة ال أجزاء هلا يف السادسة من السماع . والقول يف هذا هو جزء من القول يف احلركةتبني أن اآلن إمنا هو للمستقبل ال للماضي، فلنفرغ عن القول فيه للناظر يف التغري، إذ ليس الطبيعي، و

.ذلك من سبيلنا يف هذا القول

وأما . فقد تبني إذن كيف حترك اجلمادات، وباجلملة فكل ما يتحرك أحد احلركتني املتقابلتني بالذاتقابالً، وقد تبني ذلك يف املقالة األوىل من كتابه يف األجرام املستديرة فليس جند فيها حلركة من حركاا م

.السماء والعامل

وكل ما يتحرك حركة واحدة من احلركات املتقابلة فهو جسم طبيعي وصورته هي ح يقال هلا طبيعية مثال ذلك . وكل متغري فله مقابل واحد أو أكثر من واحد فقد يقابله السكون فقط. على اخلصوصوقد يقابله مع السكون تغري آخر كالصعود فإنه يقابله اللبت أسفل، . ابله البقاء على اجلهلالتعلم، فإن مق

وقد خلص . وقد تقابل احلركة احلركة على غري هذين الوجهني. ويقابله اهلبوط وهو احلركة إىل أسفل .ذلك يف اخلامسة من السماع

ولكل واحد . ين، وهي أوالً لإلسطقساتواحلركة يف املكان فلها أطراف متقابلة، وهي لكل جسم هيوالوهي لسائر األجسام من . منها واحد من أصناف هذه احلركة بالذات، كاهلبوط لألرض، والصعود للنار

مثال ذلك أجسام . أجلها، ألن كل جسم هيوالين فهو إما واحد منها وإما مؤلف من أكثر من واحد، والزيت والشمع فهو مركب منهما ومن اهلواء النبات واحليوانات، فإا مركبة من األرض واملاء

.والدخان، والبخار من املاء واألرض، وقد خلص أصناف هذه أرسطو يف مواضع كثرية

وأما األجسام األخر اليت مل تعط مبدأ أكمل من هذا من مبادئ وجود االسطقسات، بل مبادئ وجود ما ذان الصنفان فقط كالذهب والشمع، وأجسام جمانس لذل، فليس هلا من حركة املكان بل بالذات إال ه

النبات وأجسام احليوان إذا فارقتها األنفس، كخشب العرعر وخشب األبنوس، ولذلك توجد هلا سائر .احلركات بالعرض، إما خارجاً عن الطبع أو قسراً

.منها اجلنس الذي طرفاه الصعود واهلبوط: وأجناس احلركة املكانية ثالثة

.ذي طرفاه التقدم والتأخروالثاين اجلنس ال

.والثالث اجلنس الذي طرفاه التيامن والتياسر

فأما حركة غري هذه فهي مركبة مثل حركة . فهذه األجناس الثالثة هي أجناس حركة املكان البسيطةالوراب فأما حركة االستدارة للحيوان فإمنا هي حركة على شكل كثري الزوايا، فتكون مركبة على جهة

.وتلخيص ذلك خارج عما حنن بسبيله. االمتزاجالتشافع و

Page 23: رسائل فلسفيه

ابن باجه­رسائل فلسفية 23

واحلركة يف املكان تسمى يف لغة العرب بعض أصنافها النقلة وهي احلركة اإلرادية، ورمبا قيلت يف احلني واالنتقال ما كان منه يف الفوق واألسفل وقد . بعد احلني يف كل صنف من أصنافها، فيطلق عليها االنتقال

اآلخران فإمنا يوجدان للحيوان خاصة، وليس يوجد صنف صنف منها لصنف وأما اجلنسان. قلنا فيهصنف من احليوان، كما وجدت أصناف االنتقاالت لالسطقسات، بل توجد املتقابالت بالسواء للحيوان

والسبب يف اختالف ذلك هو أن الفوق واألسفل . الواحد بعينه يف العدد، لكن ال كل حني من الزمان فإن األسفل هو املركز، والفوق مقعر فلك القمر أو جسم آخر دونه، وال مين يف املركز حمدودان بالطبع،

فأما اليمني فليس . أن يكون فوق وال يف مقعر فلك القمر أن يكون أسفل، فإن ماهيتهما تقتضيان ذلكن الواحد مييناً مبحدود يف ذاته، فإن وجود املكان مييناً إمنا هو باإلضافة إىل املتحرك، ولذلك يكون املكا

لواحد ويساراً آلخر يف آن واحد، ويكون مييناً ويساراً حليوان واحد بالعدد، لكن يف زمانني ال يف زمان .واحد

وكل حيوان فهو ذو جسم متميز اجلهات، وكل ذي جسم متميز اجلهات فللمكان األول الذي هو فيه مثال ذلك . حليوان أنواع من املكان طبيعية لهإضافات متميزة إىل األمكنة األخر، ولكل نوع من أنواع ا

وقد خلص ذلك أرسطو يف . أن الطائر له أمكنة يف اهلواء طبيعية، وأمكنة يف األرض، وقد توجد له يف املاءفأما هل أمكنته يف اهلواء مشاة ألمكنته يف املاء أم ال، فتلخيص ذلك الئق بالقول يف . كتاب احليوان

.يةحركات احليوان املكان

فقد وقفنا ه القول على وجود املتحرك يف احليوان بالطبع الذي هو به حيوان، ألن كل حيوان فهو ذو . هذا احليوان من جهة ما هو حيوان. جسم متميز اجلهات، وأمكنته متميزة اإلضافات بعضها إىل بعض

لنبات فقد متيز فيه فأما ا. وأكمل احليوان متيز جهات هو اإلنسان، ألن جهات كل جسم مستقيم ستالفوق واألسفل، لكن خبالف وضع العامل، وسنقول فيه بعد هذا، وأما احليوان غري الناطق فقد متيز يف

فإن ذوات األصداف ليست بساعية، ومتيز يف أكثر هذا اليمني واليسار، فما . الساعي منه اإلمام واخللفكان فوقه هو ظهره، . وأيضاً فإن وضع. وائم هلاالفوق واألسفل فلم يتمي فيه، إذ احليات مستورة وال ق

والظهر يف اإلنسان هو وراؤه، واإلنسان يف مجيع املوجودات اهليوالنية متيزت فيه اجلهات كلها، فإن أمامه وهذه األجناس أعين أجناس احلركة املكانية، قد . متميز من ورائه، وفوقه من أسفله، وميينه من يساره

فأما بالضرورة فكهبوط املتردي من علو، فإن هذا أحد . وقد تكون بالضرورةتكون بإرادة احليوان ونقل املريض عن مضجعه قد يكون . وقد تلخص ذلك يف علم األخالق. أصناف ما يقال عليه بالضرورة

وأما حركة الضرورة يف غري اجلنس األول فقد يكون احملرك للحيوان . بإرادة كحركة اإلنسان إىل السوق

Page 24: رسائل فلسفيه

ابن باجه­رسائل فلسفية 24

وأمكنة احليوان فإا مع . نه، وقد يكون يف اجلنس األول مثل نقل املريض من البيت إىل الشرفةخارجاً عحتديدها باإلضافة إليه فال بد لكل مكان من حتديده، فإن الركن مكان حددته الطبيعة، واملقبض مكان

.حتدد بالقبض

.وتلخيص أصناف أمكنة احليوان ال يليق بالقول يف احلركات املكانية

.مت القول احلمد هللا على نعمه

ومن كالمه فيما يتعلق !

النزوعية

بسم اهللا الرمحن الرحيم واهللا امليسر واملعني العادة إمنا توجد لإلنسان بالنفس الرتوعية، فإن الذي يقبل .العادة هو اجلزء الرتوعي واجلزء العادي

شياء اليت تقال عليها العادة، ونلخص والعادة أصناف تقال عليها العادة بتشكيك، فيجب أن حنصي األ .بعضها من بعض حىت تتميز

واخلشوع للكمال من جهة أنه كمال، واالستهانة . اخلشوع ومقابله ال اسم له يف العربية فليسم االستهانةلكن ملا كان الكمال والنقص ليسا بذاما موجودين، بل أما حاالن حلقتا . بالنقص من جهة أن نقص

وهذه . أما جنسان، فلذلك إمنا يوجدان يف موضوعاما، فكل كمال فيجب أن خيشع لهاألمور، فكفقد يكون أمر ما . قضية أوىل معترف ا عند اجلميع، فأما أن هذا وذاك كمال فذلك مما حيتاج إىل تبيني

وقد يكون . عند قوم كماالً، وعند آخرين نقصاً، وذلك بني ملن يتصفح الشرائع املختلفة واآلراء والسريوهذه قد تكون وقتاً كماالً . شيء كماالً عند شيء ونقصاً عند شيء آخر، وهذا هو الكمال باإلضافة

لكن هذا ليس يقال له كمال، بل إمنا يطلق عليه اسم اخلري فإن اخلري إما أن يكون . ووقتاً غري كمالضع وبالشرع، فتكون يف بعضها اآلراء واألشياء اليت هي كمال قد تكون بالو. مرادفاً للكمال أو أعم منه

املكتوبة واآلراء املكتوبة تشتمل على الكمال بالوضع فتكون عند قوم ما، وعلى الكمال املشهور فتكون فما كان كماالً عند قوم ال يكون كماالً عند آخرين، وكذلك من . عند اجلميع، وما بالوضع فمختلف

فلذلك إذا كان ما هو كال يف الوجود وكان . ا آخروننشأ يف قوم ال ختشع نفوسهم ألمور يستهني إنسان ما من قوم قد اعتاد إال ختشع نفسه لذلك الذي هو كمال، مث تبني له أن األمر كمال مل ختشع له نفسه، وال أكرمه، وال رأي أنه حصل له شيء، فيكون ذلك العلم عند ذلك اإلنسان مطرحاً ال حيفل به

وكما أن املرضى حيسون احللو مراً ويرون الواحد كثرياً، كذلك مرضى النفوس . غال من لزومه عن القوليرون الكمال نقصاً ويرون النقص كماالً، وكما أنه ال سبيل هلؤالء املرضى إىل أن حيسوا احللو أصالً حىت

Page 25: رسائل فلسفيه

ابن باجه­رسائل فلسفية 25

ضى وكما أن من املر. يصلحوا، كذلك مرضى النفوس ال ميكنهم أن يروا اخلري خرياً حىت تصح نفوسهممن حيس احللو مراً ويقضي عليه أنه مر، ومنهم من حيس أنه مر ويعلم أنه حلو ويقضي أن اآلفة عنده

فاألول واجب عليه أن يشتهيه وأن يطرحه والثاين أال يشتهيه فقط وكالمها ال يفعل عن احللو ما شأنه أن ال حيركهم اخلري، وال تكون يفعل عنه، كذلك مرضى النفوس يلحقهم هذا بعينه فال يفعلون عن اخلري، و

.الصورة الروحانية لألشياء اليت هي خري حترك هؤالء أصالً، بل أن حركتهم فإىل اهلرب منه

Binary file 16_1 matches

فأما ح وك إن كانا كيفيتني، وكانا حتت واحد من أجناس الكيفيات األربعة، فلهما موضوع موجود ع اجلنسني عدم جمانساته، وفيهما نوعان طرفان ال باإلضافة بل بالفعل، ويقترن بكل واحد من أنوا

فليكن . وال ميكن أن يوجد نوع أبعد من ذلك الطرف من مقابلة، وليس كذلك فيما هو كم. باإلطالقأصغر عظم، وهو الكلب مثالً، عليه أ، وأعظم عظم عليه ح، وإمنا وجد يف أ ب وح ود، فكل نوع من

أقرب من ح من عظم أ من د، وليس يوجد عظم أبعد من أ من د، ولو وجد الكم يوجد يف الكلب فهولكن إن فرضنا أحجراً فقد يوجد فيه أصغر من د، وليكن ه . ذلك لكان كلباً أصغر من د، وهذا ال ميكن

فعظم أ ود . ف د ليس طرفاً يف م إال إذا كان م هو كلياً فهو نوع من اجلواهر. فعظم د أقرب إىل أ من هطرفني باإلضافة إىل املوضوع األول الذي هو بالقوة، وهو اهليوىل على التحقيق وبالذات، بل مها ليس

وأ . طرفان باإلضافة إىل الكلب، والكلب ليس يويل بل جيري جمراها، لكن جزاء من أجزائه هو هيويلوجد له أمر ما من وح ليسا طرفني من جهة إضافة حلقتهما فليسا إذن طرفني يف الوجود، فإن كان شيء ي

وما كان يوجد فيه حبال ما، وكان ذلك الشيء يوجد ليس . جهة ما هو ذلك الشيء، فهو له يف الوجودوأيضاً فإن . له تلك احلال، فليس يقال أنه كذلك يف الوجود، بل أن كان له يف الوجود فعلى طريق النسبة

ح وك، وإال كان د عدماً، ومل يكن ح وك، إن كانا ليس حتت مقولة واحدة، فيمكن ضرورة أن يكونفغن كان ال ميكن ذلك، فليس ك وح أحدمها موضوع لآلخر إال كما يقال أن الرب بالقوة . شيئاً موجوداً

بارد، ألن الرب ال يلزم احلار يف املاء وتلخيص هذه وإحصاؤها سهل ملن أراد ذلك، وحنن نكتفي ذا .التلخيص على طريق الرسم

واإلعدام أصناف، فمنها . ها إذا كانت يف موضوعاا فيلزمها ضرورة فيها إعدام مقابالافاملتقابالت كلفإن كان شيء ما . ولست أقول أن اجلوهر يعدم أصالً وال الكم. عدم اجلوهر وعدم الكم وعدم الكيف

لعدم وا. وقد خلص أبو نصر النحو الذي به يقال له عدم. ليس بكم كالعقل، فإن هذا سلب وليس بعدمومنها رفع سلب نوع . السماء ال ثقيلة وال خفيفة: منها سلبها، كقولنا: ينسب إىل املقولة على حنوين

نوع منها عن موضوع ميكن أن يوجد فيه ذلك النوع، وهذا أحق باسم العدم من األول، مث يقال بعد

Page 26: رسائل فلسفيه

ابن باجه­رسائل فلسفية 26

و الثاين الذي ذكرناه وهذا النح. مث كتاب قاطاغورياس. ذلك النوع، وهذا أحق باسم العدم من األولأرسطو يعد عدم كل مقولة فيها، فعدم اجلوهر يف مقولة اجلوهر، وعدم : هو الذي يذكره أبو نصر ويقول

.الكم يف مقولة الكم

وبني بأيسر تأمل ملن زاول الصناعة الطبيعية أن املادة األوىل ال ميكن فيها أن نعرى من بعض املقوالت نها فأول ذلك اجلوهر، وذلك مما تبني يف األوىل من السماع الطبيعي، إذ حىت ال يكون فيها نوع واحد م

ويليه الكم فإنه لوا جوهر واحداً هو، ألنه ليس جبسم، . لو عريت عنه لكانت املادة األوىل ذات صورةوقد تبني . فما أبعد من ألف العظم مما ال ينقسم، فإنه إن كان كذلك وجد جوهر ال كم له وهذا حمال

وجيب أن تعلم أن العظم يقال على املستدير . ل السادسة من السماع ويتبني بياناً أكثر عند التأمليف أوواملستقيم بتشكيك، وإن العظم املستدير ما كان له مركز، وقد خلصنا ذلك يف تفسري معاين السابعة من

ودة والرطوبة واليبوسة، السماع الطبيعي، مث بعد ذلك يف اهليوىل جنس الكيف االنفعايل كاحلرارة والربواجلسم يقال بتشكيك على املتحرك باستدارة، وعلى املتحرك . ولذلك كل جوهر هيوالين فهو جسم

واملادة اليت تقبل . باستقامة، وهيوالمها ليست واحدة بالنوع، كما صورمها، بل تتناسب تناسب الصورقبل احلركة املستديرة فهي أبداً موضوع، احلركة على االستقامة هي اهليوىل على التقدمي، فأما اليت ت

. وليست يوىل وال مادة، بل إمنا يقال هلا هيوىل ومادة باملناسبة، كما يقال هذه موضوع بالشبه واملناسبة

فاهليوىل األوىل ال ختلو من جنس الكيفية اإلنفعالية، وال ميكن تعريها منها، ولذلك إذا أراد أرسطو أن يدل وكذلك كيفية الكم الذي هو الشكل والصورة، وكذلك األين، . ل جسم ملموسعلى مجيعها يقول ك

فهذه املقوالت التسع بني من أمرها أن اهليوىل األوىل ال . وكذلك الوضع، وكذلك املىت، وكذلك اإلضافة .تعري منها، لكن بعضها أبني من بعض

.كذلكفأما الفعل واالنفعال فقد تشكك فيه، لكن إذا تعقب أمره ظهر أنه

فأما مقولة له فإا توجد لذي النفس، وقد يوجد يف اجلمادات ما يظن به أنه له، غري أنه إذا تعقب أمره وكذلك اللون فقد يظن ببعض األجسام أا غري ذات لون كاهلواء . ظهر أنه ليس حتت هذه املقولة

لكن وإن . خيلو من مجيع أنواعهاوالزجاج، وأبني من ذلك الطعوم والروائح واملذاقات، فإن موضوعها قدكان ذلك فليست هذه موجودة للجوهر بذاته أوال، بل إمنا توجد ثانياً، وبعد أن تتقدمها يف املوضوع

مثال ذلك . موجودات شىت حتت مقولة أخرى، وكأن هذه وإن مل تكن أنواعاً لتلك فهي كاألنواع والرطوبة واليبوسة فليست خارجة عنها ألا حرارة الطعوم، فإا وإن مل تكن أنواعاً للحرارة والربودة

حلقها أمر آخر صارت به تلك احلرارة نوعاً جلنس آخر، كما عرض يف القول يف األكر املتحركة، فإن

Page 27: رسائل فلسفيه

ابن باجه­رسائل فلسفية 27

وقد خلصنا ذلك يف أقاويلنا . النظر فيها ليس هندسيا متأتياً للنظر اهلندسي بل هو واقع حتت النظر اهلندسي .يف النفس

وموضوع . ما قلناه على حنو آخر وهو أن كل جسم فهو مؤلف من صورة وموضوعوقد تلخصاألجسام السرمدية خيص باملوضوع، وموضوع الكائن الفاسد يقال له هيوىل ومادة وما شاكل هذه

وكل مركب من أشياء ففيه ما . األشياء وكل جسم فاسد فهو أسطقس أو مؤلف من اسطقسني فزائداًشياء الالزمة لالسطقسات هي الزمة لكل جسم هيوالين، واألشياء الالزمة لتلك األشياء، فاأل

لالسطقسات من املقوالت هي أا جواهر، وإا ذوات إعظام، وإا ذوات كيفيات انفعالية، وإا ذوات وكل جسم ففيه هذه األجناس من . أوضاع وأيون، وإن هلا مىت، وإا مضافات، وإا تفعل وتنفعل

مثال ذل اخلشونة والقحل . ضرورة، وأما سائر ما يوجد لألجسام اهليوالنية فهي راجعة إىل هذهاملقوالت فإا . والصالبة واللني واملالسة، فأما سائر ما يوجد لألجسام اهليوالنية فهي راجعة إىل هذه مقال ذلك

ن الرطوبة تكون ضروب من الرطوبة واليبوسة، فإن اليبوسة إذا حلقها عارض صارت خشونة وقحال، وموكذلك الطعم والرائحة فإن هذين . املالسة واللني، وقد ذكر ذلك أرسطو يف الثانية من الكون والفساد

وكذلك الطعم والرائحة فإن هذين اجلنسني منهما الرطوبة . اجلنسني منهما يف الثانية من الكون والفسادوإذا تعقب األمر فيها ظهر أن هذا اجلنس يوجد . واليبوسة كاهليوىل، وأما األلوان فالقول فيها قول آخر

.لإلسطقسات، واستقصاء ذلك يف غري هذا املوضع

وقد تبني يف السابعة من السماع أن االستحالة إمنا تكون يف احملسوسات، فليقف من شاء على ذلك من األوىل وهي اليت ا فالفعل واالنفعال إمنا مها يف الكيفيات. كالم أرسطو هنالك، ومما قاله املفسرون فيه

.وقد عددت يف مواضع كثرية. يكون الكون والفساد، وهي األربعة

وقد بينا حنن يف مواضع غري هذه أن القوى تقال باشتراك على املنفعلة وعلى الفاعلة، ورمسنا كل واحد ملنفعلة تصري من هذين اجلنسني، فالقوى الفاعلة هي ضرورة موجودة وإا تقترن مبوجود بالقوة، والقوى اواحلركة يف . ضرورة موجوداً، وتصري شيئاً ما مشاراً إليه بعد أن كانت غري موجودة لكنها تقترن مبوجود

.املكان تناسب االنفعال، وال فرق بينهما فيما نريد أن نقوله

وإىل واحلركة يف املكان إمنا تنسب إىل احليوان خاصة، . وكل متحرك فله حمرك، وكل منفعل فله فاعلواحليوان إمنا يقال أنه . فلنترك القول فيما خيص املستديرة، فإنه ليس تنسب لنا هذه. األجسام املستديرة

متحرك بذاته ومن ذاته يف املكان خاصة، وذلك أن فيه احملرك وهي النفس، واملتحرك وهو البدن، وقد وال . يب هو النفس، وهو الرتوعفاملنفعل هو البدن، والفاعل القر. تلخص ذلك يف الثامنة من السماع

Page 28: رسائل فلسفيه

ابن باجه­رسائل فلسفية 28

والوهم حىت يكون له كاآللة، أو هو يف . يكون نزوع إال بوهم، وقد يكون الوهم وال يكون نزوعاملتحرك حىت ال تكون هيوىل لذلك الوهم إال بذلك الرتوع، فإنه ليس كل هيويل لكل متحرك، بل لكل

فأما أن التوهم ليس موضوعاً . منة من السماعحمرك بالطبع متحرك بالطبع، وقد ذكر ذلك أرسطو يف الثاللرتوع، فذلك كالبني بنفسه، فالرتوع إذن يف شيء آخر، وألن الرتوع يف حمسوسه، فهو ضرورة حال يف

هل هو صورة لذلك اجلسم كالزجاج، فإنه إذا كان زجاجاً بالقوة، وذلك . جسم، إذ ال حيس إال جسمفأما إذا صار زجاجاً بالفعل أمكن ذلك كالرطوبة يف . منه آنيةعندما يكون حجراً، فليس ميكن أن يتخذ

واملقدمات اخلاصة . السمع، فهو حال يف ذلك اجلسم، ولذلك اجلسم وجود ما آخر، فلنفحص عن ذلكويف أمثال هذه . ذا النظر الذي تتخذ منه الدالئل عليه قليلة، ولكن ليس جيب علينا لذلك ترك الفحص

إن علمنا أنا ال نبلغ من العلم ذا األمر كنهه، فلنبلغ منه قدر الكاد، وهذا إمنا هو يف أنا و: يقول أرسطوإنه قد تبني يف غري موضع أن القلب أو ما يقوم مقامه هو مبدأ احليوان، : فنقول. التصور ال يف التصديق

ركات املوجودة يف وأنه ينبوع للحار الغريزي املوجود يف البدن، وإن باحلار الغريزي تكون مجيع احلالبدن، وأعين بذلك االغتذاء وضروب الرتوع والتوهم والتفكر، فإن اهلضم وإن كان يف املعدة فهي

.كالكتابة، وإن كان القلم هو الذي رسم األحرف فإن الراسم هو اإلنسان

حنن يف رسالة وباجلملة فاحملرك األول هو الذي ينسب إليه الفعل كما تبني ذلك يف ثامنة السماع، وقلناه فإن املنصور هو الذي قتل عبد اهللا بن علي، وإن كان مل يتناول ذلك املنصور بيده وكان بعيداً . الوداع

مثال ذلك الصائد هو الذي أخذ الذئب يف . عنه، فإن اآللة قد تكون متصلة بالفاعل، وقد تكون منفصلةب فيها، وذلك أن اآللة إما أن يودع احملرك احلبالة، وإن كان الصائد غائباً عن احلبالة عند وقوع الذئ

وإما أن ال تقبل تلك احلال إال وهي . األول فيها حاالا تفعل فعلها فال حتتاج ضرورة إىل اتصاهلا باحملرك .متصلة باحملرك كالقلم

رسالة ألبي بكر محمد بن يحيى

في المتحرك

قال أبو بكر محمد بن يحيى

باألقاويل اليت تعطي اليقني إن كل حركة تكون عن أكثر من حمرك واحد، قد تبني يف السماع الطبيعي وهي اليت ال يتحرك فيها املتحرك بنفسه بل بغريه، فإا منسوبة إىل احملرك األول خاصة دون سائر

.احملركني، وذلك أيضاً بني قريب بنفسه

Page 29: رسائل فلسفيه

ابن باجه­رسائل فلسفية 29

ا، فلذلك يقولون قتل الرشيد وهذه القضية الكلية الصادقة يعترف ا اجلمهور عند أخذها يف موادهجعفراً، كما يقولون قتل املنصور أبا مسلم، وإن كان القاتل األقرب جلعفر مسروراً أو من ائتمر له، وقتل أيب مسلم املنصور بيده، وال ينظرون إىل احملرك األقرب وال حيفلون به يف ذم أو محد، اللهم إال فيما كان

يف بعض األمور جيري جمرى األول، فإن األول إمنا يعتقد فيه أنه ذه لألقرب فيه موقع اختيار، فلذلك هوفإنه قد تبني يف الثامنة من السماع أن احملرك األول على التحقيق هو حمرك احلركة السرمدية، لكنه . الصفة

فلذلك يقال اللوم واحلمد على ما . باإلضافة إىل حركة حركة من الكائنة الفاسدة بالعرض ال بالذات .ولذلك كان يف الشريعة عقاب قاتل اخلطا غري عقاب قاتل العمد. حرك بالعرض

وأما اآلالت فليس هلا يف وجود تلك احلركة حظ من محد واحد أو ذم اللهم إال يف بعض أحواهلا، وسواء وإن من. كانت احملركات املتوسطات أجساماً غري متنفسة أو أجساماً متنفسة، ناطقة كانت أو غري ناطقة

ذم أو محد احملرك القريب فهو، كما يذكر أفالطون يف الكلب، أنه يعض على احلجر الذي يرمي به وهذا كله بني . ا أول حمركويترك الرامني اللهم إال إن كانت اآللة املتنفسة حبيث ميكن أن يعتقد فيها أ

.بنفسه ويقني معروف موثوق به

وظاهر أيضاً مما تبني هناك وتبني يف كتاب احليوان وكتاب النفس وما كتبناه حنن يف رسالة الوداع، ويف وهذا أيضاً أمر ذا تأمله الناظر أدىن متل صح له . أقاويل لنا غريها أن احملرك األول يف احليوان هو النفس

.ينهوتب

وقد تلخص يف األقاويل اليت كتبت يف النفس أن احملرك األول للحيوان هو النفس الرتوعية، وهي صنفان أحدمها ال اسم جلنسه فلنسمه على اإلطالق احملبة، ومنها يكون الطلب : متقابالن هلما فعالن متقابالن

.اف األخرواالنبساط، ويف هذا اجلنس تدخل الشهوة الغذائية والغضب وسائر األصن

والصنف الثاين الكراهية وا يكون اهلرب أو الترك وفيها يدخل اخلوف والسأم واملالل وما جانسه، وتبني وهذه كلها توجد . وقد خلص هناك أصنافها. هناك باألقاويل البينة أن سبب هذه هي النفس اخليالية

هي اليت تكون عن النطق، وا ينسب إىل لإلنسان إذا كان حيواناً، وخيتص اإلنسان باحلركة االختيارية، وو هذه أصناف قد خلصنا القول فيها يف مسرية املتوحد . اإلنسان اخلطأ والصواب، وا حيوز الصنائع

. وتبني هناك أن احلركة اإلنسانية اخلاصة باإلنسان هي اليت تكونه عن األمور اليت توجبها الروية الصادقة

.ة حنو أمر ما، وإا حنو غاية ما، وهي اخلري على اإلطالقوبني أن الروية إمنا تكون ضرور

فإن هذا اخلري هو معشوق بالطبع حمبوب للكل، واحليوان البهيمي إذ مل يعط النطق وهو الذي يعرف اخلري فأما اإلنسان فإنه يعرف اخلري يف . باإلطالق جعلت له معرفة اخلري مقترنة باملواد وذلك باحلس وبالتوهم

Page 30: رسائل فلسفيه

ابن باجه­رسائل فلسفية 30

ولذلك مىت اشتهى اإلنسان شيئاً، مث علم بوجه ما أن ذلك الشيء الذي كرهه خري، . عرفه جمرداًمواده ويترك ما اشتهى وطلب ما كره يف ذلك األمر، فإن مل يفعل ذلك كان ذلك من فعله سفهاً ولعباً وضالالً

وقد بينا . نسانياًوما شاكل هذه األصناف، إذ ليس هلذا الصنف اسم خيصه، وكان فعله ذلك حيوانياً ال إ .ذلك كله يف سرية املتوحد

فإن . فاحملرك األول على اإلطالق يف اإلنسان هو النفس وأجزاؤها، وأما اجلسد فهو جمموع اآلالتجمموع اآللة الطبيعية هو البدن، ولذلك احليوان قد ميوت ومل يعدم من جسده عضو، كما قد يغيب

.الفعل ال يتم هلا إذ احملرك األول قد عدمالنجار وال يعدم من آالته آلة، غري أن

وقد بينا يف سرية املتوحد أن اإلنسان يقال أوالً يف املعرفة باجلنس للجسد ولذلك يسمى امليت حيواناً ويقال ثانياً على . باسم اجلنس للجسد، ونظن ذلك على طريق التواطؤ وهلذا السبب تكرم جثث املوتى

تل ملن حضره فتكفلوا يب مر يظن على خال الكفالة اليت تكفلين من وهلذا يقول سقراط يوم ق. النفسإن الذي يكون يف موضعه عما قليل ليس : احلكام، إىل سائر ما قاله يف هذا الفصل، فإن سقراط يقول

.بسقراط لكنه جثة سقراط، وأما سقراط فإنه ذهب مبادراً مسرعاً

وإذ ذلك كذلك، فظاهر . احملركات اليت يف اإلنسانوقد تبني يف تلك األقاويل يف رسالة الوداع تناسبأن اخلري موجود بنفسه غري مائت وال بال، وأنه معشوق يف الطبيعة، وأن احلركة عنه وإليه هي أفضل

األمور املوجودة لإلنسان من جهة ما هو ذو جسد، فإن حصوله أفضل األمور املوجودة لإلنسان ان ذا بدن أو غري ذي بدن اللهم إال من جهة ما حيرك، فإنه ال باإلطالق، وأنه سواء عند وجوده له ك

ميكن أن حيرك أو يكون ذا بدن، فإن البدن إمنا كان ليحصل له هذا اخلري، فهو آلته اليت ا يتحرك، فهو له كالسفينة اليت يتحرك ا املالحون، فإذا حصل كان عند ذلك البدن آلة ا حيرك غريه، ومل يكن له يف

ه األخص أثر اللهم إال يف وجوده حمركاً، فإن كونه غاية وفاعالً غري وجوده غاية، فلذلك مىت ترك وجود .فإذا حصل من إنسان آخر يف هذه الرتبة، كان عند ذلك هو مجيع املتقدمني. البدن كان غاية فقط

في الوحدة والواحد

خل الشك فيما تبني يف املقوالت جيب أن نفحص عن الواحد وأصنافه، وعلى كم حنو يقال، فإن ذلك يدأا واحدة، وأن أرسطو مثالً والفارايب واحد بعينه ذلك، وباجلملة يف األجناس واألنواع فائدته القول يف

.هذا النحو يف حممول القضية

.فقد ظهر إذن يف اإلثبات املوجود يف النفس أن النفس إمنا ركبت بذلك هذا النحو من التركيب

Page 31: رسائل فلسفيه

ابن باجه­رسائل فلسفية 31

ن نتجوز يف العلم الطبيعي عندما نربهن فيه على األنواع اليت هلا شخص واحد، إما اللذين وكذلك جيب أكالشمس والقمر، وإما الذي كاألرض، فإن األرض أمنا يوجد هلا شخص واحد كلي، وهي تفين

فإن البيان على الكلي ال على الشخص، حىت لو . بأجزائها، وكذلك اهلواء واألرض يف ذلك أشد تغليطاًان للشمس مثالً أشخاص كثرية لكانت تتحرك خارج املركز، فعند ذلك تكون املقدمات ذاتية، وإن ك

أخذت على أا ذلك الشخص، مل تكن املقدمة ذاتية على هذا النحو، وكانت علمية بالعرض، وعند .ذلك ميكن ن تكون هذه املقدمات، سواء كانت أول أو نتائج، نافعة يف احلدود بالذات

كما يقال احليوان جيتمع . اتمع، املتقوم: وأعين بقويل. لعدد هو اتمع من الواحد ومن الكثريوجنس اوجند األعداد إذا تكثرت وجدت بذلك أمور . من املغتذي واحلساس، وليس يف العدد معىن غري هذين

ملسطح واألول واملركب كثرية خمتلفة، فأوهلا الزوج والفرد واجلذر واملربع واملكعب، وباجلملة فاسم وا .واملباين واملشارك والتام والناقص والزائد واحملاب وسائر ما يلزم هذه

.فقد جيب أن ننظر كيف حلقت هذه اللواحق املختلفة أجناسها ملا تركبت من معنيني

وقد يكون صوراً . الواحد قد يكون شخصاً مشاراً غليه كزيد وعمرو وهذا البياض وتلك االستدارةوقد يكون أنواعاً، وباجلملة فأمور معقولة كاخلمسة الستة واإلنسان والفرس، . ية كاإلسكندر وتبعروحان

.وبذلك نقول أن القطوع ثالثة وإن ذوات األضالع األربعة مخسة أنواع

والواحد املوضوع للعدد الذي جيري منه جمرى اهليوىل فليس بواحد من هذه ضرورة، بل هو معىن الوحدة سواء كان هيوالنياً أو روحانيا أو معقوالً، ألن الوحدة مما يقال يف موضوع، اللهم غال فيما يف موضوع،

وظاهر أن ما هذا . وجوده أنه واحد، فإن تربهن ن شيئاً ذه الصفة دلت فيه الوحدة على ما يدل الواحدفالواحد املوضوع . هليوىلسبيله فليس موضوعاً لعدد، إذ ال يتكثر، فإن التكثر إمنا يلحق الواحد من أجل ا

وإذا كان الواحد يلحق املعقوالت فاملعقوالت له جتري جمرى . للعدد فيه ضرورة أمر جيري جمري اهليوىل .اهليوىل

وقد تلخص يف غري هذا . وظاهر هنا إن الواحد يقال باشتراك على املعقوالت وعلى املوجودات اهليوالنيةتقدمي وعلى اهليوالين بتأخري، لكن ليس يف الزمان، وتبني هنا مما املوضع أن الواحد يقال على املعقول ب

قلناه، إذا نظر فيه يسر نظر، أن العدد يقال على اهليوالنية بنحوي التقدم، وعلى املعقوالت بالتأخري وعلى أحدمها جيري جمرى: فلننظر يف الالحق للمعقوالت، فالواحد املعقول هو متقوم من معقولني. طريق النسبة

وهذا غري مدفوع مما يوجد العقل، فإن العقل قد يكون موضوعاًن . اهليوىل، واألخر جيري جمرى الصورةوقد يكون ذلك . فإن املوضوع واحملمول هذه حال أحدمها من اآلخر، فإن احملمول صورة املوضوع

تقيم املتساوي احملمول موضوعاً كاحلد األوسط يف الشكل األول، وما أحسن ما شبهه أرسطو باخلط املس

Page 32: رسائل فلسفيه

ابن باجه­رسائل فلسفية 32

.وإىل هذا املعىن أشار أفالطون عند حماكاته إياه بالدوائر اللولبية. بعضه على بعض

وإن حنن فرضنا أن ذلك يعرض يف معقول لزم من ذلك ما ال اية معاً يف الوجود، وذلك حمال ال مرية ل فذاته حىت يكون بل أن عق. فإذن سننتهي ضرورة إىل عقل ال ميكن أن يوضع، فيعمل منه شيء. فيه

وهذا . فهذا هو الذي يلزمه القول أن هناك شيئاً أو عقالً وهو ذه الصفة. معىن عقل ومعقول فيه واحداًالقول رسم، فإنه ال يتقدم ذلك املعىن بأنه ال يعقل منه غريه، بل أن هذه كلها نسب تلحقه، وأعدام

الذي جيري جمرى نتيجة برهان، وهو املقام والذي يظهر من القول نه أخص به فهو احلد . نسب تلحقهلكن هذا ليس جبنس بل هو اسم مشترك مشكك، وإنه . مقام اجلنس، وهو املدلول عليه بقولنا عقل

أخص من قولنا شيء، إذ الشيء ليس يدل على اهليوالين وعلى غري اهليوالين، وعقل يدل على ما ليس .كن أن يتصور ا بنحو أخصبذي هيوىل، فإذن يدل من هذا الوجود على جهة مي

وأما أي عقل هذا العقل، وكيف لنا تصوره التصور األمت حبسب طباع اإلنسان، وهل تصوره األكمل هو حبسب طباعنا أو حبسب طبيعته، فإن كان حبسب طبيعته فهو تصور تام من حيث هو موجود، وإن كان

يث هو موجود، وإن كان حبسب طباعنا حبسب طبيعته، فإن كان حبسب طبيعته فهو تصور تام من حكان التصور يف نفسه مت، إذ ال ميكن أن يكون أنقص فإنه ليس بذي هيوىل كالزمان واحلركة واملكان

وما هل تصور املوجودات الناقصة الوجود حبسب طباعنا أو حبسب طبعها . وسائر املوجودات الناقصةها أرسطو فيما بعد الطبيعة، وذكر ذلك مرسالً يف وأما الكاملة فقد خلص القول في. ففيه فحص وعويص

.أول املقالة األوىل من كتاب الفلسفة األوىل، وقد ذكره أبو نصر وغريه وأرشد إليه

وهذا القول جرت العادة أن يقال يف التصورات الناقصة أما ألا ناقصة كذلك بطباعها، أو ألا كذلك ول اليت تفيدنا إياها الطبيعة من غري سعي لنا يف ذلك نعمده وال إن املعقوالت األ: من أجل طباعنا، فنقول

تفكر، فهي املبادئ األوىل للفكرة والروية، وا يسمى اجلسم املوجودة فيه هذه إنساناً ناطقاً بتواطؤ، فهي و فإن أي حيوان مل توجد فيه هذه ما أا فيه بالقوة وهو كذلك بالطبع كاجلنني ساعة يولد، أ. املقوالت

بالعرض كاحلد أصناف املعتوهني، فإن ذينك ليس واحد منهما إنساناً باإلطالق، فإن مسي إنساناً فعلى اجلهة اليت يسمي اجلنني عند كمال اخللقة يف الرحم إنساناً، وإمنا هو إنسان متكون، واآلخر إنسان خارج

.عن الطبع

واحدة منها صورة جمردة عن اهليوىل، فاملقوالت هي تصورات ألمور موجودة يف أجسام حمسوسة، فكل لكن ال تفيدها الطبيعة إال مقترنة مبوضوعاا غري جمردة عنها وغري متصورة مكتفية بأنفسها، كما جند

ذلك عند الصيب أول ما يعرب عنها يف نفسه، فيسال وجييب، فإنه إذا سئل عن حمسوس واحد بعينه كم هو

Page 33: رسائل فلسفيه

ابن باجه­رسائل فلسفية 33

ل سؤال بواحد من أنواع املقوالت اخلاصة بذلك السؤال وأين هو وكيف هو ومىت كان، أجاب عن كأو أجناسها املتوسطة وأشخاصهم، مث بعد هذه احلال تصري له حال أخرى، وهي اليت تسمى الروية،

فريكب ويفصل ويفتش، وباجلملة فهو يف احلالة األوىل الطبيعية إمنا يسلك العقل عنده على خط مستقيم فإذا . ل له الروية النظرية، أو من العملية اجلزء الذي تشارك فيه النظريةغري متقسم، وكذلك ما مل حتص

حدث له شيء من النظرية فقد قسم اخلط بنصفني، وثىن أحد النصفني على اآلخر، وخرج العقل من سلوكه على دائرة إىل سلوكه على خط لوليب، وهو عند ذلك جيعل العقل شيئاً ما موجوداً أو يقيمه مقام

من احملمول وبه يصري معقوالً، ومن : ات اهليوالنية، ويكون العقل يف حال وضعه مؤلفاً من شيئنياملوجودفإن املوضوع إن كان هو واحملمول واحدا من مجيع اجلهات، مل . احلال اليت ا صار معقوالً موضوعاً ال

وال يكذب، وإمنا يكن ذلك حمموال وال هذا موضوعاً، وال كان املؤلف منهما قضية، ولذلك ال يصدق .يكونان امسني مترادفني، وقد تلخص ذلك يف كتاب احلروف

: مثل قولنا. أحدها عندما حيمل عليه حده أو أجزاء حده التامة: واملعقول يوجد موضوعاً بوجوده

.الكرسي جسم: الكرسي جسم من خشب صنع ليجلس عليه، وقولنا

.ي طويل أو عريضالكرس: والثاين عندما حتمل عليه األعراض كقولنا

.الكرسي جنس متوسط: والثالث وعندما حتمل عليه األحوال املنطقية كقولنا

فإن الفحص عن وجوده . والرابع أو عندما نفحص عنه كيف وجوده املعقول، ال كيف وجوده اهليوالينا اهليوالين، وهو وجوده يف أشخاصه، يقف بنا على جسده، وفحصنا عن وجوده املعقول ليس يقف بن

على هذه، بل يقف بنا على ما هو العقل بالفعل، ألنه ال فرق عند ذلك بني وجود الكرسي وبني وجود .اإلنسان من حيث مها معقوالن

وهناك وجوه أخر تعديدها فيما حنن بسبيله فضل ال حيتاج إليه، فلنقتصر من أصناف احلمل على هذه، حاكاها أفالطون بالسلوك على الدوائر اللولبية، ولنفصل القول فيها فعند ذلك يظهر لنا احلال اليت

.وأرسطو بانثناء اخلط املستقيم

إما محل موجود يف مشار إليه على : ومجع أنواع احلمل إذا أحصيت اإلحصاء الالئق ذا الفحص كانا محل اجلنس والفصل على النوع، ومحل: موجود مشار إليه كيف كان، أو يستند إىل مشار إليه، وأقسامه

.اجلنس على النوع

.ومحل العرض على النوع

.واحلمل من طريق ما هو على الشخص

.واحلمل من طريق ما ليس هو على الشخص

Page 34: رسائل فلسفيه

ابن باجه­رسائل فلسفية 34

أو محل ما ليس مشاراً إليه على ما ليس مبشار إليه، وال من جهة أنه يف مشار إليه، بل من جهة ما ترتل ى الشخص، وذلك محل األحوال املنطقية على املعقوالت مرتلة املوجودات، فيكون املعقول جيري جمر

وهذا يدخل يف محل العرض على الشخص، . احليوان جنس والناطق فصل: املعقوالت األول، كقولنا .فليعد يف القسم اخلامس

.والثاين محل ما جيري من هذه من طريق أا موجودات تترتل مرتلة األشخاص

عروفة يف لسان العرب، وأحرى بأن يكون يف سائر األلسنة، والداللة على املعقوالت من هذه اجلهة غري م .وهو يف طلبنا هذا املعىن الكلي الذي حنمله على كثريين

وأما ما يدل عليه لفظ إنسان أو فرس ما هو وما قوامه، فهو من جهة يعد يف القسم الثاين، ومن جهة وباجلملة فليعد قسماً بنفسه من غري . ليقإال أنه يف القسم الثاين أحرى وأ. أخرى يليق أن يعد يف الرابع

.تقسيم

.كمل ما وجد من هذا القول

.احلمد هللا على نعمه

القسم الثاني

تقديم الناسخ

الواصل على يد الوزير : قال القاضي احلسن بن حممد بن حممد بن حممد بن النضر وهو املعروف باألديبشرحه : فمنها. لوزير الفاضل أيب بكر ما نذكرهأيب احلسن علي بن عبد العزيز بن اإلمام من كتب ا

.لكتاب السماع الطبيعي

.والقول على بعض كتاب اآلثار العلوية

.وكذلك على بعض كتاب الكون والفساد

.والقول على بعض املقاالت األخرية من كتاب احليوان

.والكالم على بعض كتاب النبات

.ن يعطي أسباب الربهان وحقيقتهوقول ذكر فيه الشوق الطبيعي وماهيته وابتدأ أ

.ورسالة الوداع إىل الشيخ الوزير أيب احلسن املذكور

.وكتاب اتصال العقل باإلنسان كتب به إليه أيضاً

Page 35: رسائل فلسفيه

ابن باجه­رسائل فلسفية 35

.والقول على القوى الرتوعية كتبها إليه ما بني الكتابني املذكورين

.وفصول تتضمن القول على اتصال العقل باإلنسان

.وكتاب املتوحد

.لنفس ينقص منه مقدار يسري ذكر الوزير أنه سقط منه بعد وقوعه إليهوكتاب ا

.وتعاليق على كتاب أيب نصر الذهنية

.ونبذ يسرية على اهلندسة واهليئة. وفصول قليلة يف السياسات املدنية وكيفية املدن وحال املتوحد فيها

ثاله من كالم الشيخ الكبري الوزير هذا قول القاضي األديب رمحه اهللا ووقع إيل جمموعة تتضمن ما هذا م : أيب بكر رضي اهللا عنه فأثبتها كما ترى

ومن كالمه رضي اهللا عنه

بسم اهللا الرمحن الرحيم وبه احلول والقوة والتوفيق والعصمة

بين العقل والقوة المتخيلة

واتصال العقل اإلنساني باألول

ة املتخيلة من العجائب، ترى يقيناً أن العقل يأخذ من انظر ببصرة نفسك يف نفسك إىل ما بني العقل والقوالقوة املتخيلة معلومات هي املعقوالت، حسب ما ذكرته، وإنه يعطي القوة املتخيلة معلومات آخر يبسها

أما معلومات استنبطها العقل وبسطها يف املتخيلة، مما يقدر اإلنسان أن يصنعه بإرادته من آراء خلقية : فيهاما أن يعطي العقل القوة املخيلة معلومات يبسطها فيها من حوادث جرت يف العامل يوجدها وصناعية وإ

فيها قبل حدوثها، أو ما حدثت ومل حتصل يف القوة املتخيلة عن حاسة، بل عن العقل الذي خيدمها، منها .ما يكون بالرؤيا الصادقة، والعجب العجيب فيها ما يكون بالوحي أو بضروب الكهانات

أن ما يعطيه العقل اإلنساين للتخيل ليس هو منه وال يضعه هو فيه، بل يفعل هذا الفعل فيه فاعل وبنيعلمه قبل، قادر على إجياده ال إاله إال هو هو سبب وجوده، وحمرك األجرام الفاعلة بإرادته إىل أن تفعل

عامل أفاض على املالئكة علم ذلك، ومن ما يريده يف األجرام املنفعلة كما أنه ملا أراد أن نعلم ما حيدثه يف المالئكته يفيض ذلك العلم على عقول اإلنسان فيدركه إنسان إنسان حبسب ما وهب من االستعداد

.لقبوله

وهذا ظاهر، يف األكثر، يف الصاحلني من عباده الذين هداهم اهللا، وأخلصوا به ومبالئكته وكتبه ورسله،

Page 36: رسائل فلسفيه

ابن باجه­رسائل فلسفية 36

، بتوسط مالئكته يف الرؤيا، وغري ذلك، عجائب من احلوادث وعملوا مبا يرضيه، فإنه يفيض عليهم .احلادثة يف العامل

ومن كالمه

في المعرفة النظرية والكمال اإلنساني

أو في االتصال بالعقل الفعال

وطرق إىل اليقني ببقاء النفس الناطقة إذا كملت، وكماهلا أن تصري عقالً بأن تعقل يف ذاا معقوالت . هي عقل بالفعل، أحطها مرتبة عقل اإلنسان وإذا عقل اإلنسان هذه العقول، وصارت له عقالً من اليت

ومعقوالً، فتكون حينئذ صورة له يكمل ا كماالً تاماً، حبسب ما لإلنسان الكامل أن يكمل كأرسطو، ى ببصرية عقله وبذلك يكون فعله يف ذاته بذاته، وفعله هو أن ير. أو داية من اهللا عز وجل كاألولياء

وعمله يقيناً، وبذلك يرجع على ذاته بذاته فيكون الراجع واملرجوع إليه واحداً، كما قال اإلسكندر، فيكون روحانياً ال جسمانياً، وال حيتاج يف وجوده إىل جسم، وال أن يفعل يف جسم، وال يف قوة

.جسمانية، وينبو عن القوة املتخيلة

فعل أوالً يف القوة املتخيلة، وهي قوة يف جسم، بأن جترد من املخلوقات وذل أن قوة اإلنسان النظرية تالشخصية املتخيلة معانيها بأن تفعل وتعلم ما كل واحد منها بأسباا الكلية، وال تزال قوة اإلنسان العقلية

معقوالا، تتزيد بالفكرة يف املخلوقات، وتطلب أسباا بإحضار املخلوقات يف القوة املتخيلة حىت تتمكن وتصري تلك املعقوالت عقالً، ويرى العقل ببصريته تلك املعقوالت فيه، فال حيتاج عقل اإلنسان إىل قوة

جسمانية يفعل ا، بل يفعل يف صورته بأن يقل ذاته اليت هي عقل، فيكون فعله هو عقله، ويكون بذلك .باقياً، وفعله هو ذاته، كسائر العقول اليت ال يفىن فعلها

يعقل ويعلم ال يتحاج إىل شيء مادة هي سبب الفساد، وإمنا حاجته إىل العقل الذي أوجده مبا يفيض إنواألعلى يفيض على الذي . عليه، كحاجة سائر العقول العالية إىل العقل الذي فوقها وهو الذي أوجدها

يق التعلم الربهاين حىت وهذا قد يكون كماالً للعقل بطر. دون دائماً، والكل من السبب األول على ترتيب. يتمكن ذلك صورة وقد جند بالفعل ما هو أعلى من غري تعلم، على حنون ما يبلغه أصحاب الفطر الفائقة

دفعة أو بتدريج من العقل . فغن الكمال اإلنساين الدائم قد يكون بأن يفيض على القوة الناطقة إذا كانتله ما حيصل للواصل بالتعلم بعد التعلم من دوام الفيض الفعال بصرية يبصر ا اإلنسان العامل، فيحصل

Page 37: رسائل فلسفيه

ابن باجه­رسائل فلسفية 37

مبا جاءت به الرسل حىت يفيض . وهؤالء درجات أعالها األنبياء على درجام، مث األخذون يف أعماهلم و .أولياء اهللا على درجات.. عليهم ما يفيض على املتعلمي من غري تعلم، و

علمني بصرية يرون ا املعقوالت األول اليت ا هؤالء واملعطي هذا كله العقل الفعال يظهر أوالً للمتميتحنون حىت يصلوا، فإذا وجد استعداداً فائقاً أعطى ما هو أكثر حبسب ما هو استعداد يف استعداداً فال

يبعد أن يصل مبا فطرته األنبياء إىل درجات من الكمال أكمل مما يوصل بالعلم الربهانني إذ كان اإلنسان والتقصري إمنا يلحق . قوياً للقبول، فإن العقل الفعال أبداً يفيض عنه كمال تام لإلنسان يف الغايةباالستعداد

وكما يفيض عن كل واحد من العقول الثواين على ترتيب عقل . من جهة االستعداد القابل ال من جهتهائه، ال حيتاج يف شبيه به ليس هو، كذلك يفيض عن العقل الفعال عقل شبيه به ليس هو هو، يبقى ببق

.وجوده إال له، كسائر الثواين اليت ال حتتاج يف وجودها إال للذي أوجدها مبا يفيض عليها أبداً

وطريق الصوفية املستعدين للقبول، وطريق الغزايل من الطرق املوصلة، والطرق املأخوذة أوالً عن نبينا .صلعلم

عز وجل، وبالفكرة يف كماله، مبا عندك من اليقني فأرى أن متزج ما عندك من الكمال التعليمي بذكر اهللابوجوده، وإنه عامل، وإن علمه بذاته فقطن وعلمه هو ذاته، فإنه يعلم مجيع األسباب من جهة علمه بذاته

وبكمال ذاته اليت بكماهلا فاض وجودا ذلك املوجود، وإنه عامل مبا فاض عنه، ولعلمه بذاته فيعلم ما تصفية نفسك بذكر اهللا وتعظيمه بصفاته على ما ذكر الشيخ أبو نصر يف كتاب فاعمل على. يفيض عنه

.اهللا

.وهو املوفق للحق ال رب غريه

ومن كالمه أيضاً رحمه اهللا

بسم اهللا الرمحن الرحيم

ارتياض في تصور القوة المتخيلة والناطقة

لناطقة فيها أعماهلا أوالً وفيها تظهر وهي القوة ا. يرتاض اإلنسان أوالً ويقوى يف تصور القوة املتخيلة اليت إذا حصلت فيها متخيالت احملسوسات كلها أو جلها فأقولك . املوضوع

القوة املتخيلة املوجودة يف اإلنسان بالفعل، هي القوة اليت جيدها اإلنسان يف نفسه، يرسم فيها رسوم وسات متخيلة بعد غيبتها عن احلواس، احملسوسات، ويتصور ا وحيضر اإلنسان فيها رسوماً من احملس

فريى اإلنسان فيها صفة زيد وعمرو وصفة داره ودابته وغري ذلك من احملسوسات املشار إليها، ويكون

Page 38: رسائل فلسفيه

ابن باجه­رسائل فلسفية 38

.هذا الفعل من القوة املتخيلة يف اليقظة والنوم

أو صفة وهي اليت تركب صوراً من املتخيالت مل حيس ا، بعضها صادقة مثل ختيلنا زيداً يف وضع كذا وبعضها كاذبة إذا ختيلنا زيداً بصفة كذا أو يف موضع كذا وليس هو كذلك، ومثل . كذا إذا كان كذلك

.ختيلنا عرتاً برأس إبل أو براس فرس أو غري ذلك من األمور املخيلة الكاذبة

وقد تركب وتتخيل أمراً ليس بشخص حيمل على أكثر من شخص واحد، فتحاكي صفة املعىن وتتخيله ماً يعم أكثر من الواحد، وال يعم كل ما يقال عليه املعىن، فتحاكي اإلنسان وتتخيله فيها منتصب صن

لكن تتخيل اإلنسان مبقدار ما، ولذلك ال يعم ذلك املتخيل كل . القامة ذا حلم وعظم متغذياً حساساً .وللعقل يف هذا التخيل فعل ما. إنسان

ه وجد القوة املخيلة يف نفسه على ما ذكرته ال شك فيه وال يف وإذا تأمل اإلنسان مجيع ما ذكرته يف نفسوكذلك وجود القوة الناطقة جيدها اإلنسان يف نفسه، ويعلمها علماً يقيناً ال يشك فيه بشيء . وجودها

وذلك أنا جند يف أنفسنا ما نتميز به ونفصل عن سائر احليوان املتغذي احلساس، فإن اإلنسان . من التثبتسه معلومات حتتوين على ميز اجلميل والقبيح والنافع والضار حيوزها ومييزها، وجيد يف نفسه جيد يف نف

كل هذه . أموراً يرى صدقها ال شك فيه، وأموراً هي على ظن، وأموراً هي كذب ال جيوز يف الوجود .املعلومات جيدها اإلنسان يف نفسه

والنطق يقال على القوة . د يف اإلنسان يسمى ناطقاًوهذه املعاين املعلومة يف النفس تسمى نطقاً، وما يوجالناطقة بالقوة اليت شأا أن توجد فيها هذه املعلومات، ألن اإلنسان يوجد وليس فيه هذه القوة، ومث

. يقبلها، فتكون فيه بعد أن مل تكن، فقبل أن يقبلها له قوة شأا أن تقبلها ليست يف الفرس وال يف احلجر

ق على هذه املعلومات إذا كانت بالفعل موجودة بالقوة اليت شأا أن تقبلها، ويقال نطق ويقال أيضاً نط .وكل هذا بني بنفسه بأدىن تأمل. على األلفاظ حني نعرب ا عن هذه املعلومات احلاصلة بالفعل

ها مسيت وهذه املعلومات احلاصلة بالقوة الناطقة بالفعل مىت أخذت باإلضافة إىل األشياء املأخوذة عنعلماً، ألا علم ا، ويه اليت عرفتها، ومىت أخذت من حيث أدركتها قوة توصف ا، وحتمل على

ومىت أخذت من حيث أدركتها القوة الناطقة، وكملت ا، . موضوعاا املأخوذة عنها، مسيت معقوالت .وخرجت ا من القوة إىل الفعل مسيت عقالً

وحصول املعلومات يكون . لفعل بأن حيصل يف نفس اإلنسان معلوماتوالنطق خيرج من القوة إىل اوهذا يكون أوالً حبصول حال هذا املشار إليه يف القوة املتخيلة . بدرجات أوهلا علم هذا املشار إليه

حصوالً جممالً دون أن جيوز التخلي فيه، ويربز صفة من صفاته، ال أنه األبيض وال أنه الطويل وال

Page 39: رسائل فلسفيه

ابن باجه­رسائل فلسفية 39

يزه جممالً، وال يلتفت إىل صفة من صفاته، وهذا لضعف العلم بالشيء يشبه ختيل احليوان النحيف، بل ميمث إذا متكن حال هذا املشار إليه يف القوة املتخيلة، ارتقى اإلنسان إىل هذا املشار إليه . الذي له ختيل

فيميز زيداً بأنه الطويل بصفات مفصلة يعرفه ا باإلضافة إىل مشار إليه واحد بعينه يف العدد مييزه منهااألبيض النحيف، ويأخذ هذه الصفات يف التخيل كأا شيء واحد بعينه يف العدد، مضافة إىل مشار

واحد بعينه يف العدد، ذ هي مضافة إىل واحد بعينه يف العدد مييزه منها فيميز زيداً بأنه الطويل األبيض واحد بعينه يف العدد، مضافة إىل مشار واحد بعينه النحيف، ويأخذه هذه الصفات يف التخيل كنها شيء

ولذلك زعم قوم ن ما تدل عليه األلفاظ باطل، إذ كانت تدل . يف العدد، إذ هي مضافة إىل واحد بعينه. على كثرة فيما ليست فيه كثرة وال هو كثري، ألن هذا املشار إليه الذي هو الطويل واألبيض ليس بكثري

وذه املعرفة حتصل . نصر خمالفة للمحسوس وللمعارف وخروج عن اإلنسانيةوهذا كما ذكر الشيخ أبو. لإلنسان املعرفة باألشخاص من جهة ما هي أشخاص مشار إليها، وا حيصل شخص زيد ويعلم

والصفات اليت يعرف ا على النحو الذي ذكرته هي أشخاص األعراض اليت ال يوصف ا سواه، وال نني أصالً، ألن تلك األعراض ال يوصف ا سواه، ألن البياض الذي يف زيد ليس هو يقع ا تشابه بني اث

وبعد حصول املتخيالت يف القوة املتخيلة على هذا . به ما هو شخص بياض. البياض الذي يف عمرووا ختيل النحو تكون القوة الناطقة تنظر ببصريا فترى املعاين الكلية اليت حتمل على ما يف القوة املتخيلة،

.ومتيز ما هو كل واحد منها

: وإذا ذكرت األلفاظ الدالة على هذه املعاين الكلية ميزا وأحضرا ورأا، وذلك على ثالث جهات

أن حتضر القوة الناطقة هي هذه املعاين الكلية، وتراها يف األشخاص املتخيلة اليت أخذا عنها، : إحداهااملعىن الكلي، وتراه ببصريا يف أشخاص غري األشخاص اليت تراها فيها قوة فتحضر القوة الناطقة اليت لزيد

عمرو، والناطقة على هذا متيز املعاين الكلية عند اجلمهور وعند أويل النظر، فتكون املعاين الكلية متميزة .عند اجلمهور على هذا النحو فريوا يف أنفسهم وحيضروا على ما ذكرته

متيز القوة الناطقة هذه املعاين الكلية حق امليز، لكن مىت رأا ببصريا، وحضرت يف أن: واجلهة الثانيةالنفس مرئية، فإمنا تراها ببصريا يف القوة املتخيلة أيضاً وإن تفعل القوة املتخيلة أيضاً، ما شأا أن تفعله

حد، وال يعم كل ما يقال عليه من احملاكاة، بن حتاكي املعىن الكلي، وتصور فيها صنماً يعم أكثر من واذلك املعىن، كما حياكي املصور صورة فرس من حجارة وكما خيطه الرسام يف بسيط، لكن ما حتاكيه

القوة املتخيلة أكمل، ألا حتاكي، ألا تصور صورة فرس متغذ صهال، لكن ما يعم كل ما حتايكه كل ار من املقادير، فال يعم صنمها مثالً الفرس الكامل فرس، ألا إمنا حتاكي األشياء حمدودة بنهايات ومقد

فإذا ميزت القوة الناطقة املعاين . واملتوسط وال املهر، وإمنا يعم صنمها ما كان على املقدار الذي حاكته

Page 40: رسائل فلسفيه

ابن باجه­رسائل فلسفية 40

الكلية، ورغبت إىل إحضارها لتراها وتبصرها ببصريا عند الفكر أو عند التفهم بالقول واملخاطبة، فإمنا لكن القوة الناطقة متيز يف ذلك الصنم أن عمومه ليس . ا يف الصنم الذي حاكته القوة املتخيلةتراها ببصري

وعلى هذا النحو من . على الكمال، فال يضرها ذلك فيما تفكر فيه وتبحث عنه يف ذلك املعىن املعقولانع عندما يفكر كيف يصنع التمييز تتميز املعاين الكلية عند الصناع وعند أكثر من ينظر يف العلوم فإن الص

. مصنوعاً ما، حيضر صنم ذلك املصنوع فيميزه ويتخيله ويدبر كيف يصنع، وكذلك الناظر يف العلوم

.معلوماته ليعلم ما هي وغري ذلك مما يوصف حيضرها أصنافاً يف القوة املتخيلة

ت األشياء، إما خياالت أشخاص واتني اجلهتني ختدم القوة املتخيلة القوة الناطقة بأن حتضر فيها خياالبأعياا وإما صنماً حياكي املعىن الكلي على النحو الذي ذكرته، فنأخذ القوة الناطقة يف املتخيالت صفات

ومن رأى أعمال القوة الناطقة يف املتخيالت اليت يف القوة املتخيلة، حسب ما ذكرته، رأى حتقيق ما . كليةقوته الناطقة حني قاضت عليها املوهبة، تلك املوهبة، كما نرى بقوة ذكرته يقيناً ال شك فيه، ورأى ب

والسبب القريب يف الشمس، نبصر ا ونرى خملوقات اهللا تعاىل حىت . العني ضوء الشمس بضوء الشمسيذكرون اهللا "نكون ممن يؤمن باهللا ومالئكته وكتبه ورسله والدار اآلخرة إمياناً يقيناً، فنكون من الذين

وال فكرة إال ". وقعوداً وعلى جنوم ويتفكرون يف خلق السموات واألرض واختالف الليل والنهارقياماً .بتلك املوهبة، وتلك املوهبة هي اتصاله بالعقل الفعال

جيب : ولنرجع فنقرر ما ذكرناه على جهة االرتياض ليتمكن وال بد من مساق القول من قبل ما مد فأقوليرى ببصرية نفسه القوة املتخيلة كما يرى األشخاص ببصره ومييزها حق التمييز، على اإلنسان أوالً حىت

مث ينظر إىل القوة املتخيلة من حيث تتكرر عليها أشخاص املخلوقات، وكثر من املتخيالت فيها ماله شخص واحد، وماله أشخاص كثرية، وما يتعلق باألشخاص من األعراض من مقدار ولون وعلم وصحة

ة وزمان ومكان وغري ذلك من أشخاص املقوالت، فإذا فعل هذا رأى ببصرية نفسه أن ومرض وحركللقوة الناطقة نظراً يف املتخيالت تدرك ا ما تشترك به وما تتباين به املتخيالت احلاصلة عن أشخاص

تتميز ا واملعاين اليت تشترك ا واليت تتباين ا هي الصفات واحملموالت واملعقوالت اليت. املخلوقاتوإذ ذاك فانظر كيف تكشفت هذه املعاين املدركة للقوة الناطقة باملوهبة الفائضة . وتوجد معلومة ا

عليها كما تنكشف للبصر املبصرات بنور الشمس بعد أن كانت مغيبة، قبل أن يفيض على هذه نور ن الكل أعظم من جزئه، وا الشمس وعلى تلك موهبة اهللا عز وجل اليت ا نرى الكل وأجزائه، حتكم أ

األعداد املأخوذة يف املعدودات املختلفة .. نرى األعداد املأخوذة يف معدودات خمتلفة إذا قدرها الواحد ووإذ تكرر النظر يف خملوقات حىت حيضرها اإلنسان يف القوة املتخيلة، وفكر يف خملوقاته .. متصلة بعضها

Page 41: رسائل فلسفيه

ابن باجه­رسائل فلسفية 41

والوحي والرؤيا وما تنطق به ألسنة الكهنة، تكشف . والنهارويف خلق السموات واألرض واختالف الليلببصريا، والتزمت التزاما ضروريا وجود موجودات مل تدرك خبيال وال حبس، بل أدركتها . القوة الناطقة

القوة الناطقة علماً حمضاً خمتصاً ا، أدركته فيها وا، وحينئذ ترى الناطقة ببصريا املعلومات فيها وتنبو فإا ال ترى أا . عن التخيل، وإذا ذاك يتسع نظرها، وتتشوق إىل معرفة أسباب املخلوقات اليت عقلتها

علمت املعلومات على ما ينبغي حىت تعلمها باألسباب األربعة، فيما كانت له األسباب األربعة، أعين إىل . عله، والغاية اليت ألجلها وجدمعرفة صورة الشيء، وما توجد فيه الصورة من املواد ومن املوضوع، وفا

فإن اإلنسان بالطبع يتشوق إىل معرفة هذه األسباب ويبحث عنها ويسأل حىت يف األمور احملسوسة عن .ومثال ذلك بني يف كل مصنوع ويف كل طبيعي. األسباب اجلزئية

فإنه بطلب األسباب واإلنسان يف األمور املعقولة أشد تشوقاً ملعرفة أسباا لنه نظر أعلى وأرفع وأنفع، .يصل اإلنسان إىل اإلميان باهللا عز وجل ومالئكته وكتبه ورسله وباحلياة اآلخرة

والتفاضل يف موهبة اهللا اليت ا تبصر القوة الناطقة متفاوت حبسب ما يعطيه اهللا أيضاً يف أول خلقه .اإلنسان من االستعداد لقبول املوهبة اليت ا تبصر القوة الناطقة

مبا يرضيه، فهذا . وهاتان املوهبتان ليستا مبكتسبتني، وإمنا يكتسب ما بعدمها ملن وفقه اهللا تعاىل إىل العملهو الكمال اإلنسان، وال يوجد إال مبا تأيت به الرسل عن اهللا عز وجل، فمن اتبع هوه فال يضل وال

ه، وليجعل ذكره كله ونظره يف فلسرد اإلنسان نفسه مبا حض عليه صلوات اهللا عليه، وندب إلي. يشقىخملوقات اهللا عز وجل ودرجاا يف الكمال، كمال الوجود، فريى ببصرية قلبه ما هو كل واحد منها،

وعما هو، إىل أن ينتهي بالضرورة إىل أن يعلم ببصرية قلبه أن اهللا خالق مجيعها، وإنه وحده ال شريك له، ن املوجودات حادث ممكن الوجود من جهة ذاته واجب وأنه واجب الودود بذاته، وإن كل ما سواه م

وعلمه باألسباب جهة علمه بذاته، . الوجود بذاته، ال إاله إال هو، خالق كل شيء، وهو بل شيء عليموملا صدرت مجيع األشياء . ال أنه يعلم األشياء من جهة األشياء، كما نعلمها حنن، ولذلك علمه هو هو

ياء لعلمه مبا صدر عنه، أال يعلم من خلق، وعلمه باألشياء هو سبب عن كمال ذاته فهو يعلم األشوارتفاع العوائق لكن حيتاج إىل .. صانع لسبب مصنوعه الذي خيرجه إىل الفعل إمنا هو علمه. وجودها

والصانع . واهللا عز وجل ال حيتاج إىل آلة، بل إذا أراد شيئاً فإمنا يقول له كن فيكون. األسباب وهلا بأيدينايف مصنوعه، فليس علمه مبا يف مصنوعه . ملصنوع ما يعلم ما يف موضوعه استنبطه فأخذه بالفعل من علمه

من جهة مصنوعه، بل من جهة علمه مبا صنع، وكل من سوى ذلك الصانع منا إمنا يعلم مبا يف ذلك كان يف نفس املصنوع املستنبط من جهة ذلك املصنوع املشار إليه بالفكر والبحث، حىت حيصل له ما

Page 42: رسائل فلسفيه

ابن باجه­رسائل فلسفية 42

املستنبط له، وال سيما يف األمور الغريبة االستنباط مثل ميقاتة الزرقالة، وكذلك خملوقات اهللا عز وجل ما نعلم حنن فيها ما نعلمه من جهتها ومن جهة الفكر فيها ببصرية القلب، واهللا عز وجل يعلمها من جهة

.علمه مبا خلق وابتدع فإمنا اإلنسان ويل ذلك اإلنسان

.ذ نفسك واعمل ببصريتك يف خملوقات اهللا عز وجل حىت نوصلك إىل املعرفة بهخ

إن يف خلق السموات واألرض واختالف الليل والنهار آليات ألويل األلباب الذين يذكرون اهللا قياماً " ".وقعوداً وعلى جنوم ويتفكرون يف خلق السموات واألرض ربنا ما خلقت هذا باطالً

ومن نسي نفسه " نسو اهللا فأنساهم أنفسهم"ز وجل وكتبه ورسله فمن أصل ممن نسيه وإذا علمت اهللا عفكن ممن جعل . ضالالً بعيداً، إذا ال طريق له إىل اهلداية، وصار يف ظلمات الشهوات من اختذ أهله هواه

صراط الذين أنعمت عليهم غري"هواه ذكر ربه بقلبه، ووايل ذلك جبهدك يهديك الصراط املستقيم،

".املغضوب عليهم وال الضالني

نظر آخر يقوي تصور ما تقدم

موجودات نعقلها وال نقدر على إجياد : ملا كان العقل علم ماهيات املوجودات، واملوجودات قسماناملوجود منها، فينقسم العقل قسمني، أحد القسمني عقل نظري يعقل اإلنسان ببحثه ونظره موجودات ال

لبتة، لكنها حتصل معقولة له، على حنو ما خلصناه قبل، والقسم الثاين أن اإلنسان قدرة له على إجيادها ايعقل املوجودات الصناعية اليت له قدرة على إجيادها، وهذا هو لإلنسان العقل العملي، وكماله أن يعقلها

تتحرك ويوجدها وبني أن وجودها يوجد بإرادة اإلنسان وإمنا توجد بأعضاء بدن اإلنسان و، إما بأناألعضاء دون آلت من خارج، وإما بأن تتحرك األعضاء فتحرك آالت من خارج، فتحركه األعضاء إذا

وبني أيضاً أن أعضاء اإلنسان . مت وجود املصنوعات الصناعية اليت تكون بإرادة اإلنسان، وهذا بني بنفسه توجد خارج نفسه مصنوعاً ليست تتحرك من ذاا لعمل ذلك املصنوع، بل تتحرك بإرادة اإلنسان، مث

تأخذ األعضاء يف وجود ذلك املصنوع، وهذا املثال خيال متخيل يف القوة املتخيلة من .. مثاله يف نفسههكذا أبداً كلما أراد اإلنسان أن . آخر. النفس فيه عموم، وهذا املثال املتخيل يزول عن النفس وحيصل

.يصنع شيئاً يقيم يف اخليال مثال ذلك املصنوع

وإذا أمعن الناظر التثبت رأى ببصرية نفسه أن قوة أخرى يف النفس تبسط هذا املثال يف اخليال، وتنقله من وهذه . حال إىل حال حىت يكمل وجوده يف النفس، وإذ ذاك تبدأ بتحرك األعضاء لوجود ذلك املصنوع

لعاملة أوالً، مث التخيل يتخذ وهي ا. القوة اليت تفعل هذا وتبسطه يف التخيل، هي اليت تسمى العقل العملي .األعضاء اليت تتحرك لعلمه على حنو ما حتركها اإلرادة بالقوة النفسانية

Page 43: رسائل فلسفيه

ابن باجه­رسائل فلسفية 43

والعقل العملي إذن يبسط يف القوة املتخيلة مثال املصنوع على مقدار ما يقصده من مقدار وهيئة، مث تأخذ ت اليت تدبرها فتدبرها وتوجد ذلك القوة احملركة لألعضاء من قوى النفس مبا حترك األعضاء احلركا

فالعقل إذن أوالً هو الصانع لذلك املصنوع، ال األعضاء اليت تتحرك . املصنوع الذي مثاله يف القوة املتخيلةبالنفس، وال القوة احملركة لآلالت، بل العقل الذي يدبر تلك احلركات ويأخذ القوة احملركة لألعضاء

صنوع ال يوجد نفسه، وإمنا يوجد مبا يليه ومياسه من األعضاء واآلالت وقد تبني أن امل. بإجياد احلركاتوبني . وبني أن تلك القوة لألعضاء مل توجده أوالً وإمنا أوجدته القوة احملركة لألعضاء. املتصلة باألعضاء

التخيل، مث أن تلك القوة مل توجده أوالً أيضاً على احلقيقة، وإمنا أوجدته قوة العقل اليت رتبته أوالً يف .حركته األعضاء بإرادته

والقوة املتخيلة يف وقت إجياد الشيء تستعني باحلس لتحضر فيها ما فعلته األعضاء لريى العقل هل ما ختيل أحدمها أن يصور فيها مثال ما .: وللعقل حنوين من. يف القوة املتخيلة يف احلس على مثال القوة املتخيلة

ل فيها على احلس ما تفعله األعضاء املتحركة يف ذلك الشخص الذي هو يراد إجياده، والثاين أن حيص .خارج النفس

وإذا نظر هذا النظر يف املوجودات الطبيعية وجدت الطبيعة مثل األعضاء، وأنفس األجرام السماوية مثل يصور فيها القوة املتخيلة، والفاعل هو الذي يعلم ما يفعل فيفيض على األنفس السماوية ما يريد إجياده و

على مثال ما يصور العقل اإلنساين يف اخليال ما يقصد إجياده يف الطبيعة حمرك موجود يف األجرام اليت يف وأظهر ما توجد حركة الطبيعة . الكون والفساد، ووجودها يف هذه األجرام عن حركة ألجرام السماوية

عن حركتها حرارة ا تفعل الشمس يف األجرام اليت يف الكون والفساد عن حركة الشمس، فإنه توجد أعضاء بدن . يف النبات ما يظهر لنا من حتريك النبات إىل التغذي والنمو والتوليد، فحرارة الشمس

اإلنسان واآلالت اليت ا يفعل اإلنسان عن عقله، وكذلك حرارة الشمس هي اليت تدبر الشمس وتفعل له، فحرارة الشمس من حيث تفعل ا نفس الشمس مبا يفيض عليها من اهللا عز وجل مما يريد أن يفع

وكذلك تصدر عن مجيع حركات األجرام السماوية طبائع . وطبيعة ما يكون عن حركة جرم الشمسوكما توجد املصنوعات عن اإلنسان . تفعل ا يف األجرام الطبيعية وعنها تتغري األجرام تغريات خمتلفة

مور الطبيعية عن عامل يفعلها أوالً يف أنفس موجودة يف بالعقل والنفس واألعضاء، كذلك توجد األ .األجرام السماوية تدير ا الطبيعة لتوجد األمور الطبيعية

وينظر العقل النظري ببصريته يف العقل العملي، وذلك أن املعقول من املصنوعات يف العقل العملي كلي وإذا أوجده خار النفس أوجده يف اية متوحد، فإذا بسطه وأوجده يف النفس بسطه وأوجده متكثراً،

Page 44: رسائل فلسفيه

ابن باجه­رسائل فلسفية 44

التكثري ألنه يوجده بنهايات وعلى مقدار يف النفس، ويوجد كل واحد من املقادير اليت يف النفس أشخاصاً معقول الياقوت يف العقل العملي هو معىن واحد، فإذا أوجده يف النفس : مثال ذلك. كثرية خارج النفس

كرب يف الطول والعرض واالرتفاع، ألنه ليس يف قوة النفس أن تقبله أوجده على مقدار ما من الصغر والكما هو يف العقل من التوحد، ألن العقل أعلى وأشرف، فإذا أوجد خارج النفس أشخاص كل مقدار منها، أوجد كل واحد منها أشخاصاً متكثرة جداً، ألن املواد ال تقبل الصورة كما هي يف النفس من

.التوحد

كل ما قرب من : كرته من املعىن الغريب الذي يدركه العقل النظري يف العملي يلزم أن يقالوهذا الذي ذ .الواحد األول كان أكثر توحداً، وكل ما بعد عنه يف مرتبته كان متكثراً

نظر آخر

الفطرة الفائقة والتراتب المعرفي

ل اإلنساين، مث لقبول عقل إهلي وهو الفطرة الفائقة املعدة لقبول الكمال اإلنساين هي املعدة لقبول العقوهي الفطر اليت تعلم اهللا ومالئكته وكتبه ورسله واليوم اآلخر . عقل مستفاد من اهللا عز وجل ال يدرك

أن يرى ببصرية نفسه، اليت هي .. والعلم يف. والسعادة اليت هي بقاء ال فناء معه وسرور ال كدرات معهفالذين بلغوا الكمال اإلنساين هم الذين . م كمال وجودهاع. موهبة من اهللا عز وجل، املوجودات

وأي كمال . يعلمون أن اهللا عز وجل وخملوقاته، وصار هذا العلم صورة هلم، وذلك هو الكمال العقلي .لإلنسان ما أعظمه حىت مسى هذا العقل وهذه املوهبة بصرية األشياء ما تقدم القول فيه

اليت هي بصائر القلوب، تتفاضل يف اإلنسان تفاضالً عظيماً، وأعظم وهذه املوهبة من اهللا عز وجل، البصائر املوهبة من اهللا عز وجل بصائر األنبياء صلوات اهللا عليهم يعلمون اهللا عز وجل وخملوقاته حق

وأجل املدركات . علمه، ويرون ببصائرهم الفائقة يف نفوسهم ذلك العلم العظيم دون تعلم وال اكتسابهللا تعاىل وهو ال سد، ويهدهم اهللا ملعرفته ومعرفة مالئكته علم ما كان ويكون من احلوادث العلم با

.اجلزئية احلادثة يف هذا العامل يروا ببصائر قلوم من يغر أن يشاهدوها ويعاينوها

علم باهللا ودون األنبياء أولياء اهللا الذين فطرهم على فطر فائقة يأخذون ا من األنبياء ما يوصلهم إىل الومبالئكته وكتبه ورسله واليوم اآلخر والسعادة القصوى، وال يزالون يصدقون بذلك حىت يروا علم ذلك يف نفوسهم ببصائرهم حبسب درجات املوهبة من اهللا تعاىل اليت يبصرون ا نفوسهم على ذلك مسدون

Page 45: رسائل فلسفيه

ابن باجه­رسائل فلسفية 45

ك نفسهم أو مل تنطق، فإنه ال خيلو الدنيا ويأنسون ويلذون للفكرة بذكر اهللا ببصائرهم الفائقة، نطقت بذلوهؤالء املخلصون يفيض عليهم من اهللا عز وجل حبسب الرؤيا جزء يسري مما . علم ذلك من نفوسهم

.وهبه اهللا لألنبياء من اإلطالع على املغيبات اليت تكون من اهللا تعاىل يف العلم على درجات

. وصدق فال بد له من السعادة األخرويةوأولياء اهللا منهم صحابة النيب صلعلم، وكل من أخلص هللا

وبعد أولياء اهللا طائفة قليلة، وهبهم اهللا بصائر يتحققون ا على تدريج ما هو كل موجود بقيناً، إىل أن يبلغوا من العلم اليقني مبخلوقات اهللا عز ودل ما يبلغهم إىل العلم باهللا ومبالئكته وكتبه ورسله والدار

ببصائرهم أم تربأوا بذلك عن البدن، وحصل هلم الكمال الذي هو السعادة القصوى اآلخرة، ويروا يقيناًوباجلملة أن يدرك اإلنسان أجل مطلوباته وأكملها، وهو العلم باهللا . اليت هي بقاء بال فناء وعز بال ذل

و فيه عز وجل، حىت يكون كل ما دون الذي أدركه حقرياً عنده ال يرضاه وال حياكيه، بل حيب ما ه .ويلتذ به أكمل لذة ويتعشقه، وهؤالء هم مثل أرسطو وهم قليل جداً

وابتاع هذه الطرائق عن والئها طويلة، ورمبا مات طالبها يف بعض طرق التعليم فال يصل إىل السعادة اليت .هي السرور الدائم والطريق املضمونة اليت ال ختيب

جاءت به الرسل فليهتد داه، وليلتزم أوامره وما جاءت ومن وهبه اهللا فطرة وبصرية يرى ا حقيقة ما به الرسل، وليوايل على التفكر وعلى ذكر اهللا، وال يشرك بعبادة ربه أحداً، فإنه ينكشف له العلم باهللا

صراط الذين أنعمت عليهم غري املغضوب عليه "ومبخلوقاته فيكون من الذين هداهم اهللا الصراط املستقيم واملنعم عليهم الذين وهبهم اهللا املوصلة إىل القرب منه، فعملوا مبا يرضاه، وجعلها هلم نوراً ".وال الضالني

واملغضوب عليهم هم الذين وهبهم اهللا موهبة توصلهم إىل القرب منه . ميشون ا على الصراط السوي .والضالون هم الذين ميشون بغري موهبة. فيعملون مبا ال يرضاه ويتبعون هواهم

.جعل اهللا له نوراً ميشي به يف الناس فليس كمن جعله يف الظلمات ليس خبارج منهاومن

ومما جيب أن يقرر أن الفطر الفائقة يعلمها اهللا ما يف العامل من املوجودات اليت ابتدعها بقدرته من خلق .السموات واألرض وما فيهن مما شان اإلنسان أن يعلمها بالتعلم

فإن املعقوالت األول اليت يعلمها . ت من اهللا عز وجل علمها، وهو بكل شيء عليموالفطر الفائقة إذا قرب .اهللا لإلنسان املعد ألن يعلم ا إمنا حتصل من اهللا عز وجل

نظر آخر

فيض العلم اإللهي

Page 46: رسائل فلسفيه

ابن باجه­رسائل فلسفية 46

واهللا عز وجل يفيض من علمه على موجوداته وخملوقاته العلم والعمل فيقبل كل موجود حبسب مرتبته والعقول تقبل منه العلم حبسب مراتبها، واألجرام تقبل منه األشكال والصور النفسانية . لوجودمن كمال ا

.حبسب مراتبها، ومراتبها حبسب أمكنتها

ولكل جرم مسائي عقل ونفس، فبالنفس يفعل األفعال اجلزئية احملسوسة على جهة التخيل، كانتقاله من اجلزئي احملسوس حتدث عنه أفاعيل جزئية حمسوسة يف وهذا االنتقال . موضع متخيل ال سرح على ذلك

.األجرام اليت يف الكون والفساد، وأظهر ما يكون هذا من األجرام السماوية يف الشمس والقمر

وبالعقل يعلم اإلنسان العلم املرتلة عليه من اهللا عز وجل ذوات معقولة، وجزئيات من احلوادث احلادثة يف مضى فيما مل يشاهد بالعيان، وذلك غيب اهللا عز وجل يطلع عليه من يشاء من املستقبل ويف احلال وفيما

.عباده بوساطة مالئكته

كذلك العمل حيدث عنه يف األجرام بوساطة أجرام، ال أنه يتناول األعمال بذاته بل بعلمه، وعن علمه ه يعلم ذلك الشيء حيدث بوساطة جرم، ألنه إذا أراد وجود من األجرام شيء من األجرام فظاهر أن

فيوجده بوساطة ما يتحرك عنه من األجرام، كما أنه إذا أراد إجياد العلم أفاضه على العقول فيوجده يف .إنسان يليق به بتوسط عقل أعلى من اإلنسان

ومن قوله أيضاً

في الفيض والعقل اإلنساني والعلم اإللهي

كل شيء موجود . لمه، ألنه يفيض اخلري أمجعولو رجعنا إىل القضاء والقدر السترحنا، فكل شيء يعبعلمه خيتلف من جهة القابل، منه فاض مثل ذلك القابل فهو يعلمه، وعنه فاض كل موجود حىت ما

يوجد يف املادة القابلة للكون والفساد، وإن كان بتوسط، فنسبته إليه نسبة واحدة بتوسط ودون توسط، لعلمه بذاته، وأفاض على املتوسط أن يوجد الصورة مثل ما ألنه أعطى األسه مطلعه كما هي يف علمه،

هذا يف مجيع املوجودات حىت يف مادة الكون . هي يف علمه، وأفاض على القابل للصورة أن يقبل الصورة. وجعل وجوده بعد عدمه مل يزل، فإذا كمل وجوده مل يزل موجوداً. والفساد، وحىت يف العقل اإلنساين

من املوجودات أزيل يف الكون والفساد صفته هذه الصفة، ال يزال الوجود فيه وهذا املوجود وحده فعلى هذا الوجه . فإن وجد دام وجوده مع الدهر ال مع الزمان. كذلك، ال يزال يوجد بعد أن مل يكن

.يكون عقل اإلنسان له البقاء الدائم

Page 47: رسائل فلسفيه

ابن باجه­رسائل فلسفية 47

الذي يسمى مبقاالت اخلري، فإن كل باب وأظنه . وانظره يف إيضاح اخلري جبده، ففيه أبواب كثرية يف اخلري .منه قول يف اخلري

ولقد واليت النظر يف أبوابه، فانكشف يل نور بني وعلم يقني، فال أقدر أن . فهذا ما ظهر يل فيما جتاذبناه .أفارقه، ولقد علقت عليه

ن منط واحد، وانظر، مع نظرك يف مقاالت اخلري، يف عيون املسائل، مث يف قول أيب حامد، جتد الكل م .والكل يف التأويل مع الكتاب العزيز متفق

لكن ذلك بأن توجد يف بصرية العقل يف العقل، وهذا هو رجوع الشيء على ذاته، حىت يكون فعله هو ذاته، حىت ال حيتاج إىل فاعل يفعله وال ملن حيفظه، بل هو حافظ ذاته، وفعله دائم ال حيتاج يف وجوده إىل

. يعدمه ألنه واحد يف ذاتهغريه، فليس له شيء

وبتلك البصرية . والنور هو يف القلب نظر ننظر به املعقوالت كما ننظر ببصر العني إىل األشخاص املرئيةاليت نرى ا املعقوالت نرى لوازم املعقوالت املتقدمة من اللوازم املتأخرة، وذلك هو العقل يف املعقوالت

اته بذاته أن ينظر بنور القلب فريى دائماً ما حصل له، وينظر فيما جمردة عن التخيل، وذلك هو نظره يف ذحيصل عما قد حصل، ويرى ذلك النور به، فريى دائماً ما حصل له، وينظر فيما حيصل عما قد حصل، ويرى ذلك النور به، فريى دائماً ما حصل له، وينظر فيما حيصل عما قد حصل، ويرى ذلك النور به،

فائضة عليه، وهي وجوده األكمل، كيف وسعت كل شيء على مثال واحد، وإمنا فريى رمحة اهللا ال .اختلفت نسب القابل وعظمها قبوالً لذلك النور املتدع األول

ومن بعض ما ذكرته أن األول يعلم اجلزئيات من جهة علمه حبدودها، وهذا نقص يف الوجود، ألنه لمه بذاته، فهو يعلم األشياء ال من األشياء، بل من وجود من كثرة معلومات، وليس علمه شيئاً إال ع

وعلمه . علمه بذاته الكاملة الوجود، وعن كمال وجوده فاض كل موجود إىل أنقص املوجوداتباملوجودات هو سبب وجودها، وعلمه باملوجودات إمنا هو علمه باحلركات، وأسباا، فإنه خمترع

فأول خمترع منه العقل . م منه، خمترع الكل على ترتيبوجعل األسباب كلها بعل. احلركات كيف تكونوكل موجود يف مرتبته . األول، مث سائر املوجودات على ترتيب إىل أنقصها، وهي مادة الكون والفساد

وكماله واحد بذاته، وال يكون به تشابه بني اثنني أصالً فهو موصوف مبا يوصف به الشخص اجلزئي مما وإمنا قيل يف الثواين يف األجرام السماوية إن بعضها أعم كلية من . ة واحدةيف الكون والفساد على جه

أال ترى أن األول يعلم مجيع . بعض من جهة ما يوجد عنها من املوجودات، ال من جهة ما تتشابه به جزئيات العامل والثواين واألجرام السماوية، وكل واحد منها جزئي بذاته ال يتشابه به اثنان، فهو خمترع

Page 48: رسائل فلسفيه

ابن باجه­رسائل فلسفية 48

مجيع جزيئات مادة الكون والفساد، وسبب وجودها إجيادها العقل الفعال، فإن لكل واحد من الثواين والعقل الفعال يرسم يف نفوس . جرماً يفعل فيه مبا رمسه نفس اجلرم، ويوجده ذلك اجلرم يف جرم آخر

عن األول، ويعلم أجرامه ما يقصد إجياده يف جزء جزء من املادة وإن دق، فالعقل الفعال متوىل ذلكذلك، واألول ما يفوته منها جزء وإن قل، فهو يعلم كل نفس وكل كلمة ذرة، ألا كلها حممولة يف

.اهلواء الذي هو حممول يف جرم املادة

واألول واحد باحلقيقة عنه فاضت مجيع املوجودات، واألول أعم املوجودات عموماً من جهة أنه واحد .ترع هلا وألسباب وجودهاعام لوجود مجيعها، ألنه خم

والعلم فعل ما، فذلك النور يفعل ذاته يف ذاته ال حيتاج إىل فاعل غريه . وإنك وإياي ممن يعلم ذاته بذاته .وال حيلقه فساد

.فقد ضللنا أن شغلتنا أموالنا وأهلنا فاهللا اهللا اغتنم التفرغ وتزود فال ينفع إال القلب السليم

من كالمه أيضاً رحمه اهللا

في العلم اإلنساني والعقول الثواني والعلم اإللهي

أو في مراتب العلم

صورة من حيث عقله، وليس حصول صورته . حيصل اإلنسان هو هو صورة من يعقله، وكذلك هو. : أن املوجودات ثالثة. بأن يعلم ذاته وكيف توجد وصفاته هي هو وكيف يكون علمه هو هو وكيف

ونتدرج إىل علم ذلك . ومعقوالت ليست بأجسام وال أعراض يف أجسامأجسام، وأعراض يف أجسام،من معرفة املعقوالت عندنا اليت هي عقلنا، وهي موجودات ليست بأجسام وال أعراض حتتوي على

موجودات كثرية، وهي ذات العقل لنا، وفيها نعمل حىت يكون الراجع واملرجوع شيئاً واحداً، وكان لكنا حنس اجلسد باقياً يفعل أحياناً . ا تناسب العقول اليت مل تزل عقوالً بالفعلفعلنا هو جوهرنا، وحصلن

.بالعقل فيه وأحياناً يقوي أجسامنا

وأما الثواين ففعلها يف عقوهلا دائماً وذلك بأن تعقل ما يف عقلها دائماً، وذلك بأن تعقل يف ذاا األول، .هوكيف حصلت مجيع املوجودات عنه حبسب مراتبها من

واألول ال إاله غريه يعقل ذاته فقط على كماهلا فيعقل بعقل كمال ذاته ما يصدر عنه ويفيض من كماله، فيعلم مجيع األشياء لعلمه بذاته، فإنه ال يأخذ علمه باملوجودات أوالً مث بأخرة يعقلها معلومة، على مثال

كل من رأى ذلك املوجود من غري ما يعقل الصانع املستنبط ملوجود ما من جهة علمه به من ذاته، مث

Page 49: رسائل فلسفيه

ابن باجه­رسائل فلسفية 49

مثال ذلك . صانعه قد يعقله من بعد مدة وبعد فكرة كثرية حىت حيصل له علمه به، وذلك هوان يعقلهشخص الصفيحة وامليكانة اليت استنبطها الزرقالة فإنه إمنا عقلها أوالً من ذاته ال من امليكانة والصفيحة، مث

.ذينك الشخصنيمن بعد رآمها بعده إمنا يعقلها من

نظر آخر

في الواجب الوجود والممكن الوجود

.حدود ومقدمات يقينية ونتائج عنها جيب أن نرتاض فيها حىت وجودها

املبدأ يقال على ما له وجود حصل، أو حيصل عنه وجود شيء آخر مما ليس مبوجود بوجه، وال ميكن أن .حيصل عنه موجود

ىل ما ال اية له، وجب إال يوجد موجود بوجه، إذ ما ال اية له ومىت كان الفاعل له فاعل، وتسلسل إفلذلك جيب بالضرورة أن ينتهي الفاعلون إىل فاعل أول واجب الوجود بذاته . من الفاعلني غري موجود

وهو السبب األول

.. ال يوجدإىل ما ال اية له، والواجب الوجود بغريه . وبني أن الواجب الوجود بذاته ال يكون وجوده

فإذن مىت أخذ وجوده بغريه وجب . بذاته فمىت رفع الغري الذي هو به وجوده كان ممتنع الوجود بذاتهألنه باإلضافة إىل . وجوده، ومىت أخذ وجوده بذاته كان ممكن الوجود، وإما أن يوجد وإما أن ال يوجد

لوجهني إىل وجود وإىل أن ال غريه يوجد ويرفع هذه اإلضافة ال يوجد، وهو حبسب ذاته معرض ألحد ا .وجود، وهذا هو من طبيعة املمكن

واحملدث منه حمدث حبسب ذاته ويف زمان يعم طرفيه، ومنه حمدث . واملمكن الوجود حادث عن حمدثحبسب ذاته ال يف زمان، وهو الواجب الوجود بغريه أبداً، فيكون حمدثاً عن غريه أي مستفيد الوجود عن

ذاته ال موجوداً إذ كان مستفيداً للوجود وحادث الوجود عن غري وذلك يف غري فقد كان حبسب. غريه .زمان

وكذلك تقوم . فتكون العقول اإلهلية مع الدهر ال مع الزمان، واألجرام السماوية مع الزمان ال يف زمانلزمان حميط له به، األجرام ألا احملدثة للزمان، وما يف الكون والفساد هو حبسب الزمان ألنه يف الزمان وا

.فيه أول وآخر

والواجب الوجود بذاته ال يكون وجوده بغريه، فليس له سبب عنه كان وجوده وال فاعل له وال صورة يف مادة وال غاية وال له أجزاء كان عنها وجوده، فهو واجب الوجود بذاته من كل اجلهات، فهو واجب

Page 50: رسائل فلسفيه

ابن باجه­رسائل فلسفية 50

ا سواه واجب الوجود به، فهو السبب األول وكل م. الوجود بذاته، وسبب الوجود لكل ما سواهوالواحد بذاته، الربيء من إحناء النقص الكامل الوجود، وليس وجود لسواه، وليس ميكن أن يكون

.وجوده إال له، فقد انفرد به

. واخلري هو وجود ذات، أو وجود ما هو صالح ذات، والشر مقابله، وهو عدم ذات أو عدم صالح ذات

. وجوده وجود حمض خالص من كل نقص، كان هو خرياً حمضاً خالصاً من كل نقصوملا كان األول

وملا كان كل ما يف الكون والفساد . وملا كان هو واهب كل وجود كان واهباً لكل خري وكل صالحالوجود هنا . غال أنه ملا. بطبيعته وجوداً، أو عدم لوجود، كان الوجود يف الكون خرياً وعدم الوجود شراً

ومن هذه اجلهة قيل يف الشر الذي هو عدم أنه . عن عدم صار العدم، وهو شر، سبباً لوجود اخلريأبداً .خري بالعرض

ومن قوله أيضاً

في الفاعل القريب والفاعل البعيد

وخلود العقل

فعلني انظر إىل قول الغزايل يف آخر كتاب املشكاة فإنه يعتقد أن األول فطر مجيع الفاعلني أن يفعلوا واملن .أن ينفعلوا

إن نسبة مجيع األشياء ليه من حيث أنه مبدعها أو هو : وانظر إىل قول أب ينصر يف عيون املسائل يقول .نسبة واحدة.. الذي ليس بينه وبني مبدعها واسطة وإىل

والربهان يف ذلك بني يف السماع أن الفاعل األول هو الفاعل على احلقيقة، وأن الفاعل القريب ال فعل والقريب يف املشهور عند . فاألول هو أن الذي جعل القريب أن يفعل واملنفعل أن ينفعل عن الفاعل. له

وإمنا حيمد أو يذم الفاعل األول، مثل . اجلمهور هو الفاعل يف املادة من حيث يأخذون األمور يف املوادومن ينسب . ني، منه وكذلك اجلائرامللك العادل إليه تنسب العدالة ولو بعد يف الرتبة عمن حتته من الفاعل

فعل احلركات إىل القريب كان كالكلب يعض على احلجر الذي يرمى به غيظاً على الفاعل ال يدري أنه .ويف هذا صعوبة، وال سيما إذا بعد ومل توجد األمور يف املواد الطبيعية. فعل هو يف ذلك مصيب

القريب يف جزئيات الكون والفساد، والذي فطرمها والعقل الفعال مبعونة األجرام السماوية هو الفاعل .على ذلك هو الفاعل أبداً باحلقيقة، وهو الشيء الذي يستحق احلمد، وليس واحد منهما جيهل

وهو ال اية . ولوال العدم مل يكن وجود العقل اإلنساين غال مرة واحدة. واخلري وجود والشر عدم

Page 51: رسائل فلسفيه

ابن باجه­رسائل فلسفية 51

فساد له، فمنه اخلري والشر منه، من جهة أن الشر خري لكنه لوجوده ملن يطلب زوال وجود ال يزال والوما أعظم منفعة الشر يف الوجود، بل ال شر على احلقيقة وعلى اإلطالق يف الترتيب اإلهلي إذا . بالعرض

إال أنه بل هو متام احلكمة وإمنا لعدم ما يعود بالنوع يف املادة لزيادة . مل يستمر توايل وجود ما يف املادةقل ال يفىن بل يبقى ببقاء موجود واحد بالعدد، وكل ما يوجد يف املادة من غري نوعه، فمن أجل ذلك ع

.العقل وجوده وهو الغاية منه

وقد خلق الوجود املستمر على نظام واحد يف البقاء من أول أمره، وكان هذا الوجود اآلخر عن ذلك من .القنيتبار اهللا أحسن اخل. كمال احلكمة والقدرة والفضل

ومن جهات الربهان يف بقاء العقل أن تلتفت أبداً يف إىل بصرية قلبك حىت تفىن تلك البصرية، وهي اليت حتوز ا املعقوالت، وتراها ا كما ترى بصر العني نور الشمس الذي نرى به امللونات، حىت نرى بتلك

ا يف العقل، حىت يكون الراجع واملرجوع البصرية املعقوالت، ونثبتها يف العقل، ونتيقن وجودها وصدقهومعىن ذلك أن يكون قائماً بذاته فقط ال حيتاج إىل شيء يقومه خارج عنه، بل هو . إليه شيئاً واحداً

الفاعل لذاته بتلك البصرية، حىت يكون فعله هو ذاته ويف ذاته، فيكون الفاعل والصورة هو كاملادة، فإنه . غريهيف ذاته ليس مبتكون من شيء آخر

أما أنه ال يعقل ذاته إال بالبصرية الفائضة عليه من األول، وهي البصرية اليت يعقل ا ذاته، فإذا مل يتكون فيكون . ألنه إن أخذ فاسداً فسد إىل ذاته، ألنه ليس مبكون من شيء. من شيء وال يفسد إىل شيء

ته، وكل ما يفسد فإمنا يفسد بزوال وهو العلة واملعلول واحلافظ لذا. موجوداً حني يفسد، وذلك حمالولو زالت العلة لبقي مبا فيه هو هو، وكان يفسد . علته وحافظه، وهو العلة واحلافظ ملعلوله الذي حيفظه

.حني يوجد، وذلك أيضاً حمال

قال الشيخ أبو بكر رضي اهللا عنه

في تراتب العقول وخلودها

نه جيب أن نضع اليقني حبقيقة العقل على ترتيبه من أ: ويل يف هذا نظر أطول من وجوه، الربهان عليهوإن وجوده ببصرية تفيض من األول واحدة . أقرب العقول إىل األول إىل أبعدها رتبة، وهو عقل اإلنسان

واملبصرات إذا . بعينها، مث ختتلف حبسب القابل، يبصر ا املعاين مرتلتها مرتلة نور الشمس املبصر به . يف املعاين أبصر تلك البصرية وكذلك نور العقلالتقت من ينظر بعقله

Page 52: رسائل فلسفيه

ابن باجه­رسائل فلسفية 52

وكرر النظر والتثبت يف أبواب إيضاح اخلري تتيقن كيف ذلك، وال سيما يف الباب الرابع واملائة، والباب .اخلامس واملائة، والباب السادسة واملائة

بة من يفيض إليه وإن نس. وظهر يف مراتب العقل أن منه ما يفيض من األول دون متوسط، ومتوسط أكثر .ممن يفيض منه نسبة الضوء الذي من داخل بيت من نور الشمس الذي يف صحن الدار

.خذ لسانك بذكره ومتجيده وتعظيمه: خذ يف نفسك ثالثة أمور تعمل عليها تقربك من اهللا عز وجل

.وخذ جوارحك مبا يعطيه قلبك

.وجتنب ما يلهي عن ذكره أو يشغل القلب عنه

.سك ابدأ ذه األشياء الثالثة كنت من املخلصني هللا، وال يتم ذلك إال بالصرب على إدامتهفإذا أخذت نف

ومن قوله أيضاً

في السعادة المدينية والسعادة األخروية

أو دفاع عن أبي نصر

أما ما يظن بأيب نصر يف كالمه فيما شرحه من كتاب األخالق من أنه ال بقاء بعد املوت أو املفارقة، وال سعادة إال السعادة املدينية، وال وجود إال الوجود احملسوس، وإن ما يقال أن ا وجوداً آخر غري الوجود

احملسوس خرافات عجائز، هذا كله باطل ومكذوب فيه على أيب نصر، وذكر ذلك أبو نصر يف أول لكتاب أكثرها منسوبة، وأقواله يف هذا ا. وليس يشبه قوله يف هذا أقوال اليت هي لوازم برهانية. قرائته

ويتشوق الرد ا على جهة توبيخ وسح ال يليق مبثله، مثل ما يقوله فيمن يقول أن ا وجوداً آخر غري .الوجود احملسوس أن قوله خرافات عجائز، مبثول مسجة ليكون حيوان عن حيوان أو عن النبات

.جوداً آخر غري الوجود احملسوسوليس القول فيما هي السعادة اآلخرة خرافات، وسيتبني أن هلا و

وليس . وكذلك ال يشبه قوله أقواله فيما نسبه إىل بعض املتقدمني أنه حيصر عند املفارقة إحصاراً شديداً .هذا قول أحد املتقدمني بل هو قول إخوان الصفاء الضالني

حبسب مرتبته يف ويظهر من هذا القول إن السعادة إمنا هي أن يكون الشخص جزء مدينة خيدم أو خيدم أن حتصل له وألهلها اخلريات الكثرية احملسوسة املدنية امللذة على ما يليق مبصاحل اجلميع، وخيدم حبسب

.مرتبته يف أن حيصل له وألهلها على أفضل األموال املدنية وأبلغها يف بقاء النوع على السالمة بطول البقاء

اين، فإن هذا الكمال املديين احملسوس هو كمال لإلنسان وهذا كله خطأ، فإن من حصل له الكمال اإلنس

Page 53: رسائل فلسفيه

ابن باجه­رسائل فلسفية 53

مبا هو جسم متغذ حساس متخيل ناطق النطق الذي يعم اجلميع، حىت يدخل حتت هذا احلد مجيع من خيدم املدينة ويسوسها، ويعرف قوته الناطقة يف استنباط اخلريات املدينية حبسب مرتبته، كان خادماً أو

وليس هذا وجوداً آخر حبسب ما يظهر من أقوال املتقدمني حبسب خفاء ما . اسةخمدوماً أو املتويل السيوليس هذا هو الكمال اإلنساين عند املتقدم الذي خيصه حبسب شرفه يف . جاءت به الشريعة عليهم

الوجود من بني سائر احليوان الذي خص به اإلنسان، وهو العقل، حبصول معقوالت غري مرئية يقرب ا ال حيتاج يف وجوده ذلك إىل مادة، وليس يكون موجوداً حمسوساً، وهذا هو نظر ما بعد من األول،

.الطبيعة، وأما الوجود احملسوس فنظر الطبيعي

.جواهر يف الكون والفساد: اجلواهر املوجودة ثالث. ويتبني من قول أرسطو يف مقالة و

.وجواهر األجرام السماوية

أعالها اجلوهر الذي هو عقل وعاقل مبعقول هو ذاته، . إىل مادةوجوهر هو عقل ال حيتاج يف وجودهوعامل وعلم مبعلوم هو ذاته ال حيتاج إىل ذات أخرى يعلمها ويعقلها، بل لعلمه بذاته فقط يعلم مجيع

املوجودات اليت استفادت الوجود عن كمال ذاته، فهو يعلمها من علمه بكمال ذاته، فهو عامل جبميع ما وهلذا يعلم اجلزئيات املوجودة بتوسط من جعل له ذلك بعلمه من ذاته ملا جعل . ى مراتبهايفيض عنه عل

وسائر ما هو عقل إمنا استفاد ذلك مبعقول ليس هو ذاته، إما واحداً وإما أكثر . له، فال ختفى عليه خافية .ه فقطمن واحد، وأخسها عقل اإلنسان ألنه إمنا يستفيد العقل مبعقوالت كثرية ليس هي ذات

والتدبري املديين معونة عظيمة يف وجود عقل اإلنسان، وال سيما املدينة الفاضلة والتدبري الفاضل الذي . غايته األخرية وجود العقل مبعلومات كثرية أوهلا اهللا عز وجل ومالئكته وكتبه ورسله ومجيع خملوقاته

من يف املدينة قسط ما من هذا وهلذه املعلومات درجات حبسب مراتب أسباب العلم، حىت يكون لكل .الوجود حبسب قوة إنسان إنسان

. هذا هو اخلري األخري اإلنساين ومجيع اخلريات املدنية إمنا هي خري من أجل أن هلا معونة يف وجود هذا

ومىت كان شيء من اخلريات املدنية خرياً بذاته، ومل تكن غايته . فجميعها خري ال بذاته، وهذا خري بذاتهمل يكن خرياً يف احلقيقة، بل هو خري مظنون أنه خري، مثل الصحة والسالمة وغري ذلك من اخلريات هذا، .وهذا بني من عدة مواضع، وانظر يف آخر هذا الشرح جتده قد ذكر شيئاَ من هذا. املدنية

طال يف ودع ما يقال من إثبات وإب. وملا كان عقل اإلنسان من مجلة العقول، وإن كان أخسها، فله بقاءفانظر إىل . أن عقل اإلنسان حيتاج يف وجوده إىل مادة أو ال حيتاج، وإن له حياة أخرية غري احملسوسة أم ال

ألست جتد يف نفسك وجوداً يقينياً بصرية تدرك ا يف . بصرية نفسك حبسب كمال ذاتك هناك اللذةخيلة، وهذه املعلومات تسمى املوجودات اليت يف القوة املتخيلة معلومات ليست مبحسوسة وال مبت

Page 54: رسائل فلسفيه

ابن باجه­رسائل فلسفية 54

املعقوالت، حىت ال يكون لك يف القوة املتخيلة متخيل بوجه وإال فلك فيه مدركات جاءت من ذلك وأنت تتيقن حبقيقة ما تدركه وتبصره بتلك . والبصرية املدركة ملا يف التخيل إذا أدركت. الشخص املتخيل

هذا زيد، وإن هذا الوقت ار، وغري ذلك من البصرية، كما تتيقن بإدراك احملسوس باحلس، مثل أناحملسوسات، حىت تكون نسبة هذا املدرك الذي هو عقل إىل مدركاته من القوة املتخيلة نسبة احلس

املدرك إىل حمسوساته، هذا يبصر وهذا يبصر بالضوء ما حيصل يف الضوء، وهذا يبصر بتلك البصرية ما هية فائضة من العقل الفعال، وهي اليت ذكرها أبو نصر يف مقالة وهذه البصرية قوة إال. حيصل يف التخيل .ويف هذه املقالة املذكورة هداية غري ما يظهر من أول هذا الشرح الذي قد أفسد كثرياً. العقل واملعقول

وإذا كانت هذه البصرية الفائضة من العقل الفعال، وهي غري الفعال، تأخذ املعقوالت وهي العقل .انظر هذا. ئماً تفسد وهيه باقية ال حتتاج إىل مادة، وقد حصلت فيها مدركات مل تكناإلنساين قا

أليس الواجب أن . وإذا كنا نسمي حياً كل من له يف الوجود إدراك حباسة، و هو أخس اإلدراكاتوما يدرك بالعلم . نسمي حياً من يدرك املدركات ايل هي أشرف، وهي ماهيات املدركات املتخيلة

يقيين عما حصل عن تلك املاهيات املأخوذة عن القوة املتخيلة، مثل ما ختيلنا ملاهيات احلركات املساوية الواملدرك هلذه . فيحصل لنا عن معرفة ماهيات هذه احلركات السماوية أشرف املعلومات وأعالها

.املعقوالت أحق باسم احلي

ركات بذاته، وال حيتاج إىل مادة وال إىل وإذا حصل هذا لإلنسان عقل ذاته من حيث حصل فيها املد .أشياء غري ذاته من جهة ما حصل فيها تعقلها

وأنا أرى أنك تستشعر ذه البصرية املبصرة يف املختيالت حبسب كمالك، وأنه يظهر لك أن يف النفس ما فس تنفش يشبه الضياء من الشمس أو غريه، تدرك النفس ا ما يدركه البصر بضياء الشمس، وترى الن

يف املتخيل بتلك البصرة مثل ما يفعل البصر بالعينني يف أن يبصر املبصر، وذلك يسمى فكراً وهذا جيب وإذا أكمل اإلنسان حبصول معقوالت كما ال جيمع ما ميكن أن حيصل يف القوة املتخيلة وما يلزم . بالبصر

لة، فصار تصوره وفعله يف ذاته يف عن معرفة تلك املعقوالت، كان فعله يف ذاته ال يف القوة املتخييف .. ال. معقوالت، كان فعله يف ذاته ال يف القوة املتخيلة، فصار تصوره وفعله يف ذاته يف معقوالت، كلية

خياالت أشخاص جزئية يف معقوالت نعم جزئية، وال يتلفت إىل خياالت األشخاص اليت يف القوة والعقل . املتخيل هو ذلك الشخص بعينه ليس هو لسواه..املتخيلة، مثل خيال زيد وعمرو وهذا الفرس

هلذا يرى ببصرية النفس وقول اهللا ينظر إىل هذا وقوله احلث أو منم جعلنا له نوراً ميشي به يف الناس كمن .مثله يف الظلمات ليس خبارج عنها

Page 55: رسائل فلسفيه

ابن باجه­رسائل فلسفية 55

.فات العجائزفقد تبني مما ذكرته أن مث وجود غري الوجود احملسوس، وما أعظم هذا النظر كيف خرا

Page 56: رسائل فلسفيه

ابن باجه­رسائل فلسفية 56

الفهرس

2...................................................................................القسم األول 2...................................................................................و من كالمه

2................................................يوسف بن حسدايما بعث به ألبي جعفر 4..........................................................................من كالمه في األلحان

4...............................................................................رضي اهللا عنه 5.............................................................................لىومن كالمه ع

5.................................................إبانة فضل عبد الرحمن بن سيد المهندس 7.................................................................وكتب رضي اهللا عنه إلى 7.................................................................الوزير أبي الحسن بن اإلمام

10..............................................................................اكتساب البراهين 12..................................................................بسم اهللا الرحمن الرحيم

12......................................................................واهللا الموفق والمعين 12..............................................................ومن كالمه رضي اهللا عنه

12...................................................................في ماهية الشوق الطبيعي 16............................................................................ومن قوله أيضاً

16....................................................................................وهو آخر 16...................................ما وجد من قول الحكيم فيما دار بينه وبين الوزير

16....................................................في الصورة األولى والمادة األولى 17.............................................................................كالمه في النيلوفر

18....................................................................ومن كالمه في البحث 18..........................................................................عن النفس النزوعية

18....................................................................ولم تنزع وبماذا تنزع 24........................................................................................النزوعية

28.......................................................رسالة ألبي بكر محمد بن يحيى 28....................................................................................في المتحرك

28............................................................قال أبو بكر محمد بن يحيى 30...........................................................................في الوحدة والواحد

34.....................................................................................القسم الثاني 34....................................................................................تقديم الناسخ

35..............................................................ومن كالمه رضي اهللا عنه

Page 57: رسائل فلسفيه

ابن باجه­رسائل فلسفية 57

35...................................................................بين العقل والقوة المتخيلة 35........................................................واتصال العقل اإلنساني باألول

36..................................................................................ومن كالمه 36...................................................في المعرفة النظرية والكمال اإلنساني

36...........................................................تصال بالعقل الفعالأو في اال 37.............................................................ومن كالمه أيضاً رحمه اهللا

37............................................ارتياض في تصور القوة المتخيلة والناطقة 42.........................................................نظر آخر يقوي تصور ما تقدم

44....................................................................................نظر آخر 44..........................................................الفطرة الفائقة والتراتب المعرفي

45.............................................................................فيض العلم اإللهي 46............................................................................ومن قوله أيضاً

46...............................................في الفيض والعقل اإلنساني والعلم اإللهي 48..............................................................من كالمه أيضاً رحمه اهللا

48.....................................في العلم اإلنساني والعقول الثواني والعلم اإللهي 48........................................................................أو في مراتب العلم

49....................................................................................نظر آخر 49.....................................................في الواجب الوجود والممكن الوجود

50............................................................................ومن قوله أيضاً 50.........................................................في الفاعل القريب والفاعل البعيد

50....................................................................................وخلود العقل 51....................................................قال الشيخ أبو بكر رضي اهللا عنه

51.................................................................في تراتب العقول وخلودها 52............................................................................ومن قوله أيضاً

52..................................................في السعادة المدينية والسعادة األخروية 52...................................................................أو دفاع عن أبي نصر

Page 58: رسائل فلسفيه

ابن باجه­رسائل فلسفية 58

To PDF: http://www.ahttp://www.al-mostafa.com